الاثنين، 30 يناير 2012

جنازة أبن تيمية / مباحث تابعة للموضوع

جنازة أبن تيمية  / مباحث تابعة للموضوع 
 جنازة أبن تيمية لم يعرف غيرها في تاريخ المسلمين



ثناء  العلماء عليه:
قال الشيخ الحافظ أبو الفتح بن سيد الناس:
 ((كاد يستوعب السنن والآثار حفظا, إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته, أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته, أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته, أو حاضر بالنحل والملل لم ير أوسع من نحلته في ذلك, ولا أرفع من درايته, برز في كل فن على أبناء جنسه, ولم تر عين من رآه مثله, ولا رأت عينه مثل نفسه, كان يتكلم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير, ويردون من بحر علمه العذب النمير, ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير ))( ).وقال الحافظ أبو الحجاج المزي( ): ((ما رأيت مثله, ولا هو رأى مثل نفسه, وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا أتبع لهما منه ))( ).وقال الإمام الذهبي: ((كان آية في الذكاء وسرعة الإدراك, رأسا في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف, بحرا في النقليات, هو في زمانه فريد عصره علما وزهدا, وشجاعة وسخاء, وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر, وكثرة تصانيف, وقرأ وحصل, وبرع في الحديث والفقه, وتأهل للتدريس والفتوى وهو ابن سبع عشرة سنة, وتقدم في علم التفسير والأصول, وجميع علوم الإسلام: أصولها وفروعها, ودقها وجلها, سوى علم القراءات. فإن ذكر التفسير فهو حامل لوائه, وإن عد الفقهاء فهو مجتهدهم المطلق, وإن حضر الحفاظ نطق وخرسوا, وسرد وأبلسوا, واستغنى وأفلسوا, ... وله يد طولى في معرفة العربية والصرف واللغة, وهو أعظم من أن يصفه كلمي, أو ينبه على شأوه قلمي, فإن سيرته وعلومه ومعارفه, ومحنه وتنقلاته, تحتمل أن ترصع في مجلدتين, وهو بشر من البشر له ذنوب فالله تعالى يغفر له ويسكنه أعلى جنته, فإنه كان رباني الأمة, وفريد الزمان, وحامل لواء الشريعة, وصاحب معضلات المسلمين, وكان رأسا في العلم, يبالغ في إطراء قيامه في الحق والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبالغة ما رأيتها, ولا شاهدتها من أحد, ولا لحظتها من فقيه )( وقال الإمام ابن عبد الهادي: ((هو الشيخ الإمام الرباني, إمام الأئمة, ومفتي الأمة, وبحر العلوم, سيد الحفاظ, وفارس المعاني والألفاظ, فريد العصر, وقريع الدهر, شيخ الإسلام, بركة الأنام وعلامة الزمان, وترجمان القرآن, علم الزهاد وأوحد العباد, قامع المبتدعين, وآخر المجتهدين0
 ومن ماقيل عنه رحمه الله يمكن الوقوف والتأمل فيه و شهادة له من كبار علماء الأمة الذين أتوا من بعده عكس مايثيره البعض عن شيخ الإسلام ابن تيمية مسايرة لأهواء الرافضة الذين كفروه من قبل ومن بعد و كما عرف عن حسن السقاف هداه الله ننقل كلام الحافظ أبن حجر عنه في هذا المقام :
قال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة : ((الرجالِ والعلل, وتفقَّه, وتمهَّر وتميَّز, وتقدَّم, (وصنَّف ودرَّس وأفتى, وفاق الأقرانَ, وصار عجبا في سُرعة الاستحضار, وقوة الجنان, والتوسع في المنقول والمعقول, والإطالة على مذاهب السلف والخلف)
روح الرحمة والتسامح عند ابن تيمية تجاه الجميع فهل أنصفوا ابن تيمية أم ظلموه؟ 

لقد أنعم الله على شيخ الإسلام بنفسٍ كبيرة وقلبٍ سالمٍ من الأحقاد قل أن يوجد مثله عن غيره من علماء زمانه، فما كان يحمل في قلبه غلاً ولا حسداً ولا حقداً على أحد، بل ولا على خصومه، بل كان سائراً على منهج السلف في الرحمة والعدل بالمخالفين.
قال ابن تيمية: (فأهل السنة يستعملون معهم -أي المخالفين- العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً)( ).
وقال ابن القيم عن ابن تيمية: (كان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه. وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم)( ).
ولما وقف منه القاضي ابن مخلوف موقف العداء ورماه بكل قوس في جعبته، وأثار عليه العوام والحكام وأصدر ضده الأحكام والفتاوى التي أثارت الفتنة بين الناس واجتهد غاية الاجتهاد في قتله، وابن تيمية صابر محتسب يقابل السيئة بالحسنة، ولم يحمل في نفسه حقداً ولا بغضاً لهذا الرجل.
يقول ابن تيمية معبراً عن نفسيته المتسامحة: (وابن مخلوف لو عمل مهما عمل والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه، ولا أعين عليه عدوه قط، ولا حول ولا قوة إلا بالله هذه نيتي وعزمي)( ).
وقال في رسالة كتبها وهو في السجن إلى تلاميذه ومحبيه، يتحدث عن خصومه الذين تسببوا في دخوله السجن، وكانوا سبباً في مصادرة كتبه:
(
أنا أحب لهم أن ينالوا من اللذة والسرور والنعيم ما تقر به أعينهم، وأن يفتح لهم من معرفة الله وطاعته والجهاد في سبيله ما يصلون به إلى أعلى الدرجات)( ).
وقال معبراً عن روحه الطيبة المحبة لجميع المسلمين: (وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي)( ).
بل إن روحه الطيبة العادلة المتسامحة شملت حب الخير للإنسانية جمعاء، فقد قال في رسالة وجهها للملك النصراني (سرجون) حاكم قبرص: (نحن قوم نحب الخير لكل أحد، ونحب أن يجمع الله لكم خير الدنيا والآخرة)( ). وكان سبب هذا الرسالة التي بعث بها إلى ملك قبرص وجود أسرى من عامة المسلمين بأيدي النصارى، فأرسل له ابن تيمية طالباً منه أن يفك أسرى المسلمين جميعاً، وأن يحسن إليهم، مذكراً ملك قبرص بما فعله ابن تيمية شخصياً حينما جادل ملك التتار ليفك أسر المأسورين من النصارى وأهل الكتاب رحمة بهم، وإحساناً إليهم كما أمر الإسلام، وهذا الموقف كان ابتداءً من ابن تيمية، ولم يكن خاصاً لأجل المساومة والمعاوضة، فلم يذكره إلا بعد أن احتاج إليه لينفع المسلمين.
قال ابن تيمية: (وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى، وأطلقهم غازان، وقطلوشاه، وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين. قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يطلقون. فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى، الذي هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفتكهم، ولا ندع أسيراً، لا من أهل الملة، ولا من أهل الذمة. وأطلقنا من النصارى من شاء الله فهذا عملنا وإحساننا، والجزاء على الله)( ).
ثم بيّن للملك القبرصي منهج المسلمين في التعامل مع غير المسلمين فقال: (الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحد إحساننا ورحمتنا بهم؛ كما أوصانا خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم)( ).ثم أبدي ابن تيمية تألمه وامتعاضه تجاه تعامل القبرصيين مع أسرى المسلمين، فقال: (فيا أيها الملك كيف تستحل سفك الدماء، وسبي الحريم، وأخذ الأموال بغير حجة من الله ورسله، ثم أما يعلم الملك أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمان مالا يحصى عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة، فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة ولا ذو دين)( ).
فانظر كيف كان ابن تيمية –رحمه الله- حريصاً على المسلمين كلهم، رحيماً ورفيقاً بهم، وامتدت رحمته وعدالته إلى غير المسلمين، لأن منهجه العام محبة الخير للإنسانية جمعاء.
وفي آخر حياته –رحمه الله- لما تجدد عليه الظلم وسجن طلب من الجميع منهج الإنصاف والعدل مع كافة الناس، سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وطالب حكام الإسلام وعلماء الدين بالعدل مع المخالفين مهما كانوا، رافضاً الظلم الذي وقع عليه أو على غيره، وأن يكون هذا منهجاً ثابتاً وراسخاً، لأنه من منهج الإسلام.
يقول ابن تيمية: (فإنه في آخر شهر رمضان سنة ست وعشرين وسبعمائة، جاء أميران رسولان من عند الملأ المجتمعين من الأمراء والقضاة ومن معهم، وذكرا رسالة من عند الأمراء، مضمونها طلب الحضور، ومخاطبة القضاة لتخرج وتنفصل القضية، وأن المطلوب خروجك، وأن يكون الكلام مختصراً، ونحو ذلك.
فقلت: سلم على الأمراء، وقل لهم: لكم سنة، وقبل السنة مدة أخرى تسمعون كلام الخصوم في الليل والنهار، وإلى الساعة لم تسمعوا مني كلمة واحدة، وهذا من أعظم الظلم، فلو كان الخصم يهودياً أو نصرانياً أو عدواً آخر للإسلام ولدولتكم؛ لما جاز أن تحكموا عليه حتى تسمعوا كلامه، وأنتم قد سمعتم كلام الخصوم وحدهم في مجالس كثيرة، فاسمعوا كلامي وحدي في مجلس واحد، وبعد ذلك نجتمع ونتخاطب بحضوركم، فإن هذا من أقل العدل الذي أمر الله به في قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا )( ).
حرصه على وحدة المسلمين، وجمع كلمتهم:
ومن الميز والخصائص المهمة في ابن تيمية تغليبه للمصلحة العامة المتمثلة في وحدة الصف الإسلامي ، وجمع الكلمة، ورأب الصدع، ونبذ الاختلاف، وهذه الميزة مبثوثة في أقواله ومشهود لها من أفعاله وسيرته، و كان -رحمه الله- حريصاً على تقارب المسلمين، ليس بالعبارات الخاوية، ولا بالمؤتمرات الشكلية، بل بمنهج عملي أصيل، كان له دور كبير في توحيد الصف الإسلامي في وجه المخاطر التي تحدق بهم.
فقد أرسل ابن تيمية رسالة إلى إخوانه وأصحابه بدمشق، يحثهم فيها على الوحدة الإسلامية، ويدعوهم إلى اجتماع الكلمة، وإصلاح ذات البين. ومما قاله فيها::
(وتعلمون أن من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب واجتماع الكلمة وصلاح ذات البين، فان الله تعالى يقول: فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ويقول: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ويقول: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف، وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة)
وقال ابن تيمية مبيناً تجربته الشخصية والعملية: (والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشة ومنافرة، وأنا كنت من أعظم الناس تأليفاً لقلوب المسلمين وطلباً لاتفاق كلمتهم وإتباعا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله و أزلت عامة ما كان في النفوس من الوحشة، وبينت لهم أن الأشعرى كان من أَجَلِّ المتكلمين المنتسبين إلى الإمام أحمد -رحمه الله- ونحوه المنتصرين لطريقه كما يذكر الأشعري ذلك في كتبه.. وفرح المسلمون باتفاق الكلمة وأظهرتُ ما ذكره ابن عساكر في مناقبه، أنه لم تزل الحنابلة والأشاعرة متفقين إلى زمن القشيرى، فإنه لما جرت تلك الفتنة ببغداد تفرقت الكلمة)( ).
وبيَّن لأصحابه وتلاميذه منهجه الذي يسير عليه تجاه المسلمين، والذي لا يحيد عنه، هو تقديم مصلحة المسلمين، وإحسان الظن بهم، حيث قال: (وأنا والله من أعظم الناس معاونة على إطفاء كل شر فيها –أي فتنة خصومه- وفي غيرها، وإقامة كل خير)( ).
وفي اللحظات الأخيرة من حياته –رحمه الله- مرض أياماً في محبسه الأخير في القلعة، فعلم بمرضه أحد وجهاء الدولة وهو شمس الدين الوزير، فجاءه يستأذنه في الدخول عليه لعيادته، فأذن الشيخ له في ذلك، فلما جلس عنده أخذ الوزير يعتذر له عن نفسه، ويلتمس منه أن يحلّه مما عساه أن يكون قد وقع منه في حق الشيخ من تقصير أو غيره.
فأجابه ابن تيمية بقوله: إني قد أحللتُك وجميع من عاداني وهو لا يعلم أني على الحق.
وقال له أيضاً: إني قد أحللت السلطان الناصر ابن قلاوون من حبسه إياي لكونه فعل ذلك مقلداً غيره معذوراً، ولم يفعله لحظّ نفسه، بل لما بلغهُ مما ظنه حقاً من مُبلِّغه، والله يعلم أنه بخلافه. ثم قال: قد أحللتُ كلَّ واحدٍ مما كان بيني وبينه( ).

ولم يبق ابن تيمية طويلاً بعد ذلك، حيث وافته الـمنَّية وهو في السجن، مظلوماً من قبل أعدائه، وهو صابر محتسب أجره عند الله، مات وليس في قلبه ذرة كراهية تجاه أي مسلم، مات بعد أن سامح الجميع، مات وهو راضٍ عن نفسه التي طالما تخلت عن حظوظها الذاتية في سبيل الأمة المسلمة.
الخـاتمـة :
أخي القارئ الكريم..
قد وقفت بنفسك على سيرة ابن تيمية –رحمه الله- ورأيت حياة الرجل وعلمه وصدقه وزهده، وتضحيته وتفانيه في خدمة ووحدة الأمة الإسلامية ،ثم وقفتَ بنفسك على أقواله في مسألة التكفير، وقرأتَ سيرته السلوكية والأخلاقية تجاه المخالفين، ورأيتَ كيف كان رحيماً شفيقاً متسامحاً مع مخالفين وشانئيه، يسعون له جادين بالعداوة والبغضاء الكراهية، وهو يسعى لهم بكل صدقٍ بالمحبة والأخوة والتسامح.
وبعد عرض أقوال وأفعال ابن تيمية تجاه المخالفين، أترك لك أخي القارئ الكريم الحكم الموضوعي لترى هل أنصفوا ابن تيمية أم ظلموه؟
نسأل الله أن يوفق الجميع للحق والهدى، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 
مذهب السلف في الصفات
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم إبن تيمية رحمه الله 1/231 

مَذْهَبُ السَّلَفِ إنَّمَا هُوَ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ دُونَ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ " . فَيُقَالُ لَهُ : لَفْظُ " التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ " أَلْفَاظٌ قَدْ دَخَلَهَا الِاشْتِرَاكُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ اصْطِلَاحَاتِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ . وَكُلُّ طَائِفَةٍ تَعْنِي بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ مَا لَا يَعْنِيهِ غَيْرُهُمْ . فالجهمية مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ يُرِيدُونَ " بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ " : نَفْيَ جَمِيعِ الصِّفَاتِ " وَبِالتَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ " : إثْبَاتُ شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ : " إنَّ اللَّهَ يَرَى " أَوْ " إنَّ لَهُ عِلْمًا " فَهُوَ عِنْدَهُمْ مُشَبِّهٌ مُجَسِّمٌ . وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ الصفاتية يُرِيدُونَ بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ : نَفْيَ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ أَوْ بَعْضِهَا وَبِالتَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ إثْبَاتَهَا أَوْ بَعْضَهَا . وَالْفَلَاسِفَةُ تَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ : مَا تَعْنِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَزِيَادَةً حَتَّى يَقُولُونَ : لَيْسَ لَهُ إلَّا صِفَةٌ سَلْبِيَّةٌ أَوْ إضَافِيَّةٌ أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا . والاتحادية تَعْنِي بِالتَّوْحِيدِ : أَنَّهُ هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ وَلِغَيْرِ هَؤُلَاءِ فِيهِ اصْطِلَاحَاتٌ أُخْرَى . وَأَمَّا التَّوْحِيدُ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ : فَلَيْسَ هُوَ مُتَضَمِّنًا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الِاصْطِلَاحَاتِ بَلْ أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا فَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهِ نَصِيبٌ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ وَتَوَابِعِهَا - هَذَا فِي الْعَمَلِ . وَفِي الْقَوْلِ : هُوَ الْإِيمَانُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ . فَإِنْ كُنْت تَعْنِي أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ : هُوَ التَّوْحِيدُ بِالْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ : فَهَذَا حَقٌّ . وَأَهْلُ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ لَا يُخَالِفُونَ هَذَا . وَإِنْ عَنَيْت أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ : هُوَ التَّوْحِيدُ وَالتَّنْزِيهُ الَّذِي يَعْنِيهِ بَعْضُ الطَّوَائِفِ : فَهَذَا يَعْلَمُ بُطْلَانَهُ كُلُّ مَنْ تَأَمَّلَ أَقْوَالَ السَّلَفِ الثَّابِتَةَ عَنْهُمْ الْمَوْجُودَةَ فِي كُتُبِ آثَارِهِمْ ؛ فَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَلِمَةٌ تُوَافِقُ مَا تَخْتَصُّ بِهِ هَذِهِ الطَّوَائِفُ وَلَا كَلِمَةٌ تَنْفِي الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةَ . وَمِنْ الْمَعْلُومِ : أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ إنْ كَانَ يُعْرَفُ بِالنَّقْلِ عَنْهُمْ فَلْيُرْجَعْ فِي ذَلِكَ إلَى الْآثَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالِاسْتِدْلَالِ الْمَحْضِ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ رَأَى قَوْلًا عِنْدَهُ هُوَ الصَّوَابُ قَالَ : " هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ لِأَنَّ السَّلَفَ لَا يَقُولُونَ إلَّا الصَّوَابَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ " فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُجَرِّئُ الْمُبْتَدِعَةَ عَلَى أَنْ يَزْعُمَ كُلٌّ مِنْهُمْ : أَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ قَدْ عَابَ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ انْتَحَلَ مَذْهَبَ السَّلَفِ بِلَا نَقْلٍ عَنْهُمْ بَلْ بِدَعْوَاهُ : أَنَّ قَوْلَهُ هُوَ الْحَقُّ . وَأَمَّا أَهْلُ الْحَدِيثِ : فَإِنَّمَا يَذْكُرُونَ مَذْهَبَ السَّلَفِ بِالنُّقُولِ الْمُتَوَاتِرَةِ يَذْكُرُونَ مَنْ نَقَلَ مَذْهَبَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَتَارَةً يَرْوُونَ نَفْسَ قَوْلِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا سَلَكْنَاهُ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْتَاءِ . فَإِنَّا لَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُبَيِّنَ مَذْهَبَ السَّلَفِ ذَكَرْنَا طَرِيقَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّا ذَكَرْنَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ ذِكْرِ أَلْفَاظِهِمْ وَمَنْ رَوَى ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَسَانِيدِ الْمُعْتَبَرَةِ . وَالثَّانِي : أَنَّا ذَكَرْنَا مَنْ نَقَلَ مَذْهَبَ السَّلَفِ مِنْ جَمِيعِ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ طَوَائِفِ الْفُقَهَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّصَوُّفِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ كَالْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِ . فَصَارَ مَذْهَبُ السَّلَفِ مَنْقُولًا بِإِجْمَاعِ الطَّوَائِفِ وَبِالتَّوَاتُرِ لَمْ نُثْبِتْهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْإِصَابَةِ لَنَا وَالْخَطَأِ لِمُخَالِفِنَا كَمَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْبِدَعِ . ثُمَّ لَفْظُ " التَّجْسِيمِ " لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ لَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا فَكَيْفَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ : مَذْهَبُ السَّلَفِ نَفْيُ التَّجْسِيمِ أَوْ إثْبَاتُهُ بِلَا ذِكْرٍ لِذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا لِمَعْنَاهُ عَنْهُمْ ؟ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " التَّوْحِيدِ " بِمَعْنَى نَفْيِ شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ . وَكَذَلِكَ لَفْظُ " التَّنْزِيهِ " بِمَعْنَى نَفْيِ شَيْءٍ مِنْ الصِّفَاتِ الْخَبَرِيَّةِ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ . نَعَمْ لَفْظُ " التَّشْبِيهِ " مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَتَفْسِيرِهِ مَعَهُ كَمَا قَدْ كَتَبْنَاهُ عَنْهُمْ وَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّشْبِيهِ تَمْثِيلَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ دُونَ نَفْيِ الصِّفَاتِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ . وَأَيْضًا فَهَذَا الْكَلَامُ لَوْ كَانَ حَقًّا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا بِحُجَّةِ تُتَّبَعُ . وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ دَعْوَى عَلَى وَجْهِ الْخُصُومَةِ الَّتِي لَا يَعْجِزُ عَنْهَا مَنْ يَسْتَجِيزُ وَيَسْتَحْسِنُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلَا عِلْمٍ وَلَا عَدْلٍ . ثُمَّ إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ الْخِبْرَةِ بِمَقَالَاتِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ فَإِنَّهُ قَالَ : " وَكَذَا جَمِيعُ الْمُبْتَدِعَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ " فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الطَّوَائِفُ الْمَشْهُورَةُ بِالْبِدْعَةِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ لَا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ بَلْ هَؤُلَاءِ يُكَفِّرُونَ جُمْهُورَ السَّلَفِ . فَالرَّافِضَةُ تَطْعَنُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَامَّةِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانِ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ . فَكَيْفَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَلَكِنْ يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْبَيْتِ كَذِبًا وَافْتِرَاءً . وَكَذَلِكَ الْخَوَارِجُ قَدْ كَفَّرُوا عُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَجُمْهُورَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ؛ فَكَيْفَ يزعمون أَنَّهُمْ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ ؟ . ( الْوَجْهُ الرَّابِعُ ) أَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَيْسَ لَهُ ذِكْرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا شَيْخٍ أَوْ عَالِمٍ مَقْبُولٍ عِنْدَ عُمُومِ الْأُمَّةِ . فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الذَّمِّ بِهِ لَا نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا مَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ لِلْعَامَّةِ . فَإِذَا كَانَ الذَّمُّ بِلَا مُسْتَنَدٍ لِلْمُجْتَهِدِ وَلَا لِلْمُقَلِّدِينَ عُمُومًا كَانَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ ؛ إذْ لَوْ ذَمَّ بِهِ بَعْضَ مَنْ يَصْلُحُ لِبَعْضِ الْعَامَّةِ تَقْلِيدُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ ؛ إذْ الْمُقَلِّدُ الْآخَرُ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ تَقْلِيدُهُ لَا يُذَمُّ بِهِ . ثُمَّ مِثْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَأَمْثَالِهِ لَمْ يَكُنْ يَسْتَحِلُّ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي كَثِيرٍ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ بِالتَّقْلِيدِ فَكَيْفَ يَجُوزُ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي أُصُولِ الدِّينِ بِالتَّقْلِيدِ ؟ وَالنُّكْتَةُ : أَنَّ الذَّامَّ بِهِ إمَّا مُجْتَهِدٌ وَإِمَّا مُقَلِّدٌ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ دَلِيلٍ يُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ . فَإِنَّ الذَّمَّ وَالْحَمْدَ مِنْ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ ذَلِكَ . وَذَكَرْنَا أَنَّ الْحَمْدَ وَالذَّمَّ وَالْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْوَعْدَ وَالْوَعِيدَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْمُعَادَاةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ . لَا يَصْلُحُ إلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا سُلْطَانَهُ . فَأَمَّا تَعْلِيقُ ذَلِكَ بِأَسْمَاءِ مُبْتَدَعَةٍ فَلَا يَجُوزُ بَلْ ذَلِكَ مِنْ بَابِ شَرْعِ دِينٍ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ . وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ حُدُودِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ . وَالْمُعْتَزِلَةُ أَيْضًا تُفَسِّقُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ طَوَائِفَ وَتَطْعَنُ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ وَفِيمَا رَوَوْهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تُخَالِفُ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ بَلْ تُكَفِّرُ أَيْضًا مَنْ يُخَالِفُ أُصُولَهُمْ الَّتِي انْتَحَلُوهَا مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَلَهُمْ مِنْ الطَّعْنِ فِي عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَفِي عِلْمِهِمْ مَا لَيْسَ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ . وَلَيْسَ انْتِحَالُ مَذْهَبِ السَّلَفِ مِنْ شَعَائِرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يُقَرِّرُونَ خِلَافَةَ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ . وَيُعَظِّمُونَ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَجُمْهُورِهِمْ مَا لَا يُعَظِّمُهُ أُولَئِكَ فَلَهُمْ مِنْ الْقَدْحِ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . " وَلِلنَّظَّامِ " مِنْ الْقَدْحِ فِي الصَّحَابَةِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ . وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسْبَابِ انْتِقَاصِ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعَةِ لِلسَّلَفِ مَا حَصَلَ فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِمْ مِنْ نَوْعِ تَقْصِيرٍ وَعُدْوَانٍ وَمَا كَانَ مِنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أُمُورٍ اجْتِهَادِيَّةٍ الصَّوَابُ فِي خِلَافِهَا فَإِنَّ مَا حَصَلَ مِنْ ذَلِكَ صَارَ فِتْنَةً لِلْمُخَالِفِ لَهُمْ : ضَلَّ بِهِ ضَلَالًا كَبِيرًا : فَالْمَقْصُودُ هُنَا : أَنَّ الْمَشْهُورِينَ مِنْ الطَّوَائِفِ - بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - الْعَامَّةِ بِالْبِدْعَةِ لَيْسُوا مُنْتَحِلِينَ لِلسَّلَفِ بَلْ أَشْهَرُ الطَّوَائِفِ بِالْبِدْعَةِ : الرَّافِضَةُ حَتَّى إنَّ الْعَامَّةَ لَا تَعْرِفُ مِنْ شَعَائِرِ الْبِدَعِ إلَّا الرَّفْضَ وَالسُّنِّيَّ فِي اصْطِلَاحِهِمْ : مَنْ لَا يَكُونُ رافضيا . وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مُخَالَفَةً لِلْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَلِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَأَكْثَرُ قَدْحًا فِي سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَطَعْنًا فِي جُمْهُورِ الْأُمَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَلَمَّا كَانُوا أَبْعَدَ عَنْ مُتَابَعَةِ السَّلَفِ كَانُوا أَشْهَرَ بِالْبِدْعَةِ . فَعُلِمَ أَنَّ شِعَارَ أَهْلِ الْبِدَعِ : هُوَ تَرْكُ انْتِحَالِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ . وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِسَالَةِ عبدوس بْنِ مَالِكٍ : " أُصُولُ السُّنَّةِ عِنْدَنَا التَّمَسُّكُ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
------------------------------------------
تقرير "العربية.نت" الأسبوعي للكتاب
كتابا "ابن تيمية" و"الجنس من الأرض للسماء" من الكتب الأكثر مبيعاً
أورد موقع "الكتاب العربي الإلكتروني" أيضا أن كتاب "ابن تيمية" الصادر عن دار رياض الريّس للكتب والنشر في لبنان عام 2000 من تأليف عزيز عظمة هو أيضا من الكتب الأكثر مبيعا. ومن بين ما يوضحه الموقع عن هذا الكتاب أن "ابن تيميّة كان رجلاً محارباً بسيفه مساجلاً بلسانه وفتاويه. وهو قد امتحن وحبس في دمشق والقاهرة والإسكندرية نتيجة لكلامه في أمور عقائدية وشعائرية وفقهية شتى زجت به في خلافات حادة مع فقهاء عصره. قد خرج ابن تيميّة عن الإجماع الفقهي لعصره، حين أباح وطء الوثنيات بملك اليمن، والحكم بعدم نجاسة الماء بوقوع النجاسة فيه إلاّ أن يتغيّر". 
"
والأهمّ تكفيره الحلف بالطلاق، وأن الطلاق بالثلاث لا يقع إلاّ بواحدة. ما جعل العلماء يقترحون على سلاطين المماليك ضرورة لجمه بضرب عنقه أو إهانته بقطع لسانه.يرمي هذا الكتاب عن ابن تيميّة إلى أمرين: الأول، إعانة القارئ على الإلمام الكافي بنصوص التراث. والثاني، إعطاء القارئ فكرة شافية عن سعة المسائل التي تكلم عليها ابن تيمية بوصفه فقيهاً حنبلياً...".
--------------------------------------------------------------------
جهاد شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله
كان شيخ الإسلام قد جاهد بالسيف كما جاهد بالقلم حين رد على الفرق الصالة من أهل البدع التي كانت بارزة في عصره فكان مفتي الأنام أوحد عصره وفريد دهره وناصر السنة وقامع البدعة آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر أوصافه كثيرة ومناقبه عديدة ومن ذلك جهاده الكفار من المغول والتتار فأبتلى كثيرا في هذا وصبر قال الحافظ إبن كثير رحمه الله في البداية و النهاية 4/ 414 :وتوجه الشيخ تقي الدين بن تيمية
إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الامراء والناس من لقاء العدو، فأجابوا إلى ذلك وحلفوا معهم، وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للامراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون، فيقول له الامراء: قل إن شاء الله، فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى (ومن بغى عليه لينصرنه الله) [ الحج: 6 0 ].
وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو، فإنهم يظهرون الاسلام وليسوا بغاة على الامام، فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه.
فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية، ورأوا أنهم أحق بالامر منهما، وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين، ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم، وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة، فتفطن العلماء والناس لذلك، وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني، فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد.
ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسورة من ناحية الكسوة، ومعهم القضاة، فصار الناس فيهم فريقين فريق يقولون إنما ساروا ليختاروا موضعا للقتال فإن المرج فيه مياه كثيرة فلا يستطيعون معها القتال، وقال فريق: إنما ساروا لتلك الجهة ليهربوا وليلحقوا بالسلطان.
فلما كانت ليلة الخميس ساروا إلى ناحية الكسوة فقويت ظنون الناس في هربهم، وقد وصلت التتار إلى قارة، و قيل إنهم وصلوا إلى القطيعة (1)، فانزعج الناس لذلك شديدا ولم يبق حول القرى والحواضر أحد، وامتلات القلعة والبلد وازدحمت المنازل والطرقات، واضطرب الناس وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة، وصحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معه، فظنوا إنما خرج هاربا فحصل اللوم من بعض الناس وقالوا أنت منعتنا من الجفل وها أنت هارب من البلد ؟ فلم يرد عليهم وبقي البلد ليس فيه حاكم، وجلس اللصوص والحرافيش فيه وفي بساتين الناس يخربون وينتهبون ما قدروا عليه، ويقطعون المشمش قبل أوانه والباقلاء والقمح وسائر الخضراوات، وحيل بين الناس وبين خبر الجيش، وانقطعت الطرق إلى الكسوة وظهرت الوحشة على البلد والحواضر، وليس للناس شغل غير الصعود إلى المآذن ينظرون يمينا وشمالا، وإلى ناحية الكسوة فتارة يقولون: رأينا غبرة فيخافون أن تكون من التتر، ويتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم وعددهم، أين ذهبوا ؟ فلا يدرون ما فعل الله بهم، فانقطعت الآمال وألح الناس في الدعاء والابتهال وفي الصلوات 0000
فيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه أصحابه من الجهاد، ففرح الناس به ودعوا له وهنأوه بما يسر الله على يديه من الخير، وذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق فسار إليه فحثه على المجئ إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر، فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ: السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم، وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة، فيقول له الامراء: قل إن شاء الله، فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا، وكان يدور على الاجناد والامراء فيأكل من شئ معه في يده ليعلمهم أن افطارهم ليتقووا على القتال أفضل فيأكل الناس، وكان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم " إنكم ملاقوا العدو غدا، والفطر أقوى لكم " (1) فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري.
وكان الخليفة أبو الربيع سليمان في صحبة السلطان، ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتا
عظيما، وأمر بجواده فقيد حتى لا يهرب، وبايع الله تعالى في ذلك الموقف، وجرت خطوب عظيمة، وقتل جماعة من سادات الامراء يومئذ، منهم الامير حسام الدين لاجين الرومي أستاذ دار السلطان، وثمانية من الامراء المتقدمين معه (2)، وصلاح الدين بن الملك السعيد الكامل بن السعيد بن الصالح إسماعيل، وخلق من كبار الامراء، ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ، واستظهر المسلمون عليهم ولله الحمد والمنة.
فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول والجبال والآكام، فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب، ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله عز وجل، وجعلوا يجيئون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم، ثم اقتحم منهم جماعة الهزيمة فنجا منهم قليل، ثم كانوا يتساقطون في الاودية والمهالك، ثم بعد ذلك غرق منهم جماعة في الفرات بسبب الظلام، وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة شديدة، ولله الحمد والمنة.
قلت :
ولعل أبرز المعارك التي قادها شيخ الإسلام كما ذكر إبن كثير في المرحع السابق وقعة شقحب الت انهزم فيها التتار عام 702 هجرية 
وكان له دور عظيم في هذه الوقعة الشهيرة ممتطيا فرسه متوشحا سيفه مدافعا عن ديار الشام رحمه الله 0
__________
(1)
أخرجه الترمذي في كتاب الصوم - باب في الرخصة للمحارب في الافطار.
__________
(2)
ذكر المقريزي منهم في السلوك 1 / 933: أوليا بن قرمان وسنقر الكافري وايدمر الشمسي القشاش، وأقوش الشمسي الحاجب، والحسام علي بن باخل، وزاد في بدائع الزهور 1 / 1 / 41
 من الأمور الملفته للنظر
بسم الله الرحمن الرحيم 
من الأمور الملفته للنظر عند دراسة متأملة لتراث شيخ الإسلام إبن تيمية أنك لاتجد فعلا من خصوم الشيخ في زمانه من كان مشهورا بعلمه ومكانته وجهاده بمثل مقام هذا الإمام الكبير رحمه الله أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام إبن تيمية الحراني الذي ملأ سمع الدنيا الحديث عنه ولهذا قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه الماتع :ابن تيميَّة: حياته وعصره ،آراؤه وفقهه ص 57 تحت عنوان : المحنة الأولى متحدثاً عما فعله القاضي المالكي ابنُ مخلوف في الإمام ابن تيميَّة قبل أن يرجع عن افترائه عليه "... وهو زجَّ ذلك العالِم الجليل الذي جعل لذلك القاضي المالكي ذكراً في الوجود ؛ لأنه ذُكِرَ معه مخالفاً معادياً" أهـ 
والشيخ أبو زهرة ليعلم الجميع أزهري معروف في مصر 0 

وكما قال أحد الأخوة طلاب العلم حول خصوم إبن تيمية رحمه الله لا صيت لهم و لا بركة في كلامهم و لانعرفهم إلا بردودهم الواهية على العلماء الكبار. كالسقاف الذي لا يكاد يذكر إلا إذا ذكر الأمام الألباني رحمه الله تعالى
عدل أبن تيمية مع خصومه
عدل أبن تيمية مع خصومه ومن أفتى بتكفيره وقتله أرغم أعداء لإسلام على لفت نظرهم لهذا العالم النادر في زمانه 
لما عرض عليه السلطان قتل بعض القضاة الذين أفتوا بقتل ابن تيمية، لكلامه في الصفات ولرده على ابن العربي وأمثاله،قال بعض أصحاب شيخ الإسلام:"وسمعت الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله يذكر أن السلطان لما جلسا(يعني السلطان وشيخ الإسلام) بالشباك أخرج من جيبه فتاوى لبعض الحاضرين في قتله واستفتاه في قتل بعضهم قال ففهمت مقصوده وأن عنده حنقا شديدا عليهم لما خلعوه وبايعوا الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير فشرعت في مدحهم والثناء عليهم وشكرهم وأن هؤلاء لو ذهبوا لم تجد مثلهم في دولتك أما أنا فهم في حل من حقي ومن جهتي وسكنت ما عنده عليهم 
قال فكان القاضي زيد الدين ابن مخلوف قاضي المالكية يقول بعد ذلك ما رأينا أتقى من ابن تيمية لم نبق ممكنا في السعي فيه ولما قدر علينا عفا عنا"(العقود الدرية ص 298)

مواقف أخرى لشيخ الإسلام مع من ضربه ونكل به من أتباع الصوفية في مصر والشام 

موقفه لما قام عليه بعض مقلدة أهل البدع وضربوه وآذوه:
"...
رجل فيما بلغني إلى أخيه الشيخ شرف الدين وهو في مسكنه بالقاهرة فقال له إن جماعة بجامع مصر قد تعصبوا على الشيخ وتفردوا به وضربوه
فقال حسبنا الله ونعم الوكيل وكان بعض أصحاب الشيخ جالسا عند شرف الدين قال فقمت من عنده وجئت إلى مصر فوجدت خلقا كثيرا من الحسينية وغيرها رجالا وفرسانا يسألون عن الشيخ فجئت فوجدته بمسجد الفخر كاتب المماليك على البحر واجتمع عنده جماعة وتتابع الناس وقال له بعضهم يا سيدي قد جاء خلق من الحسينية ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلها لفعلوا .
فقال لهم الشيخ لأي شيء قال لأجلك
فقال لهم هذا ما يحق ، فقالوا نحن نذهب إلى بيوت هؤلاء الذين آذوك فنقتلهم ونخرب دورهم فإنهم شوشوا على الخلق وأثاروا هذه الفتنة على الناس، فقال لهم هذا ما يحل قالوا فهذا الذي قد فعلوه معك يحل هذا شيء لا نصبر عليه ولا بد أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا
والشيخ ينهاهم ويزجرهم فلما أكثروا في القول قال لهم إما أن يكون الحق لي أو لكم أو لله فإن كان الحق لي فهم في حل منه وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني ولا تستفتوني فافعلوا ما شئتم وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه إن شاء كما يشاء
قالوا فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم
قال هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه
قالوا فتكون أنت على الباطل وهم على الحق فإذا كنت تقول إنهم مأجورين فاسمع منهم ووافقهم على قولهم
فقال لهم ما الأمر كما تزعمون فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين ففعلوا ذلك باجتهادهم والمجتهد المخطىء له أجر" العقود الدرية ص 302)

-
أقول: الله أكبر!! هكذا علماء الآخرة لا ينتصرون لأنفسهم!

-
ومن كلامه رحمه الله فيمن آذوه، في رسالة كتبها لأصحابه:
"
فلا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي أو ظلمه وعدوانه فإني قد أحللت كل مسلم وأنا أحب الخير لكل المسلمين وأريد بكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي والذين كذبوا وظلموا فهم في حل من جهتي وأما ما يتعلق بحقوق الله فإن تابوا تاب الله عليهم وإلا فحكم الله نافذ فيهم فلو كان الرجل مشكورا على سوء عمله لكنت أشكر كل من كان سببا في هذه القضية لما يترتب عليه من خير الدنيا والآخرة لكن الله هو المشكور على حسن نعمه وآلائه وأياديه التي لا يقضى للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له
وأهل القصد الصالح يشكرون على قصدهم وأهل العمل الصالح يشكرون على عملهم وأهل السيئات نسأل الله أن يتوب عليهم " العقود الدرية ص 281)- ومن مواقفه لما مات أحد أعدائه:
قال ابن القيم :
"
وكان بعض أصحابه الأكابر يقول : وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه.
وما رأيته يدعو على أحد منهم قط وكان يدعو لهم وجئت يوما مبشرا له بموت أكبر أعدائه وأشدهم عداوة وأذى له فنهرني وتنكر لي واسترجع ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم وقال : إني لكم مكانه ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام فسروا به ودعوا له وعظموا هذه الحال منه فرحمه الله ورضى عنه" مدارج السالكين (ج2 - ص 345)-قلت :اقرأ هذه المواقف مرتين وثلاثا ، فإن فيها من العظة والعبرة ما لا يمكن التعبير عنه إلا في كتب مطولة. والله المستعان!
----------------------------------------------------
 - مؤلفاته:
مؤلفات الشيخ كثيرة يصعب إحصاؤها، وعلى كثرتها فهي لم توجد في بلد معين في زمانه إنما كانت مبثوثة بين الأقطار كما قال الحافظ البزار (ت - 749هـ) رحمه الله:
(
وأما مؤلفاته ومصنفاته، فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها أو يحضرني جملة أسمائها. بل هذا لا يقدر عليه غالباً أحد؛ لأنها كثيرة جداً، كباراً وصغاراً، أو هي منشورة في البلدان فقل بلد نزلته إلا ورأيت فيه من تصانيفه) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت - 795هـ) رحمه الله:
(
وأما تصانيفه رحمه الله فهي أشهر من أن تذكر، وأعرف من أن تنكر، سارت سير الشمس في الأقطار، وامتلأت بها البلاد والأمصار، قد جاوزت حدّ الكثرة فلا يمكن أحد حصرها، ولا يتسع هذا المكان لعدّ المعروف منها، ولا ذكرها) .
وذكر ابن عبد الهادي (ت - 744هـ) رحمه الله أن أجوبة الشيخ يشق ضبطها وإحصاؤها، ويعسر حصرها واستقصاؤها، لكثرة مكتوبه، وسرعة كتابته، إضافة إلى أنه يكتب من حفظه من غير نقل فلا يحتاج إلى مكان معين للكتابة، ويسئل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا، فلا يدري أين هو؟ فيلتفت إلى أصحابه، ويقول: ردوا خطي وأظهروه لينقل، فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه.
ولما حبس شيخ الإسلام خاف أصحابه من إظهار كتبه، وتفرقوا في البلدان، ومنهم من تسرق كتبه فلا يستطيع أن يطلبها أو يقدر على تخليصها .
ومن أبرز كتبه ما يلي:
1 -
الاستقامة: تحقيق د. محمد رشاد سالم. طبع في جزئين.
2 -
اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: تحقيق د. ناصر العقل طبع في جزئين.
3 -
بيان تلبيس الجهمية: حقق في ثمان رسائل دكتوراه، بإشراف شيخنا فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.
4 -
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح: طبع بتحقيق د. علي بن حسن بن ناصر، ود. عبد العزيز العسكر، ود. حمدان الحمدان، وكان في الأصل ثلاث رسائل دكتوراه .
5 -
درء تعارض العقل والنقل: طبع بتحقيق د. محمد رشاد سالم في عشرة أجزاء، والجزء الحادي عشر خُصص للفهارس .
6 -
الصفدية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، طبع في جزئين.
7 -
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: تحقيق د. محمد رشاد سالم، وطبع في ثمانية أجزاء، وخصص الجزء التاسع منه للفهارس .
8 -
النبوات: مطبوع .
وله من الكتب والرسائل الكثير جداً مما طبع بعضه مستقلاً، وبعضه في مجاميع كبيرة وصغيرة، والكثير منه لا يزال مخطوطاً سواء كان موجوداً أو في عداد المفقود .
7 -
بعض ثناء الناس عليه:
قال العلامة كمال الدين بن الزملكاني (ت - 727هـ) : (كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه، وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين ) .
وقال أيضاً فيه: (اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها) وكتب فيه قوله:
ماذا يقول الواصفون له *** وصفاته جلّت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة *** هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية للخلق ظاهرة *** أنوارها أربت على الفجر
وقال ابن دقيق العيد رحمه الله : (لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً العلوم كلها بين عينيه، يأخذ منها ما يريد، ويدع ما يريد) .
وقال أبو البقاء السبكي : (والله يا فلان ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل أو صاحب هوى، فالجاهل لا يدري ما يقول، وصاحب الهوى يصده هواه عن الحق بعد معرفته به) ، وحين عاتب الإمام الذهبي (ت - 748هـ) الإمام السبكي كتب معتذراً مبيناً رأيه في شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله:
(
أما قول سيدي في الشيخ، فالمملوك يتحقق كبر قدره، وزخاره بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أعظم من ذلك وأجل، مع ما جمع الله له من الزهادة والورع والديانة، ونصرة الحق والقيام فيه، لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل من أزمان) .
وأما ثناء الإمام الذهبي على شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فهو كثير، وذِكر ثناء الإمام الذهبي على ابن تيمية هو الغالب على من ترجم لشيخ الإسلام ابن تيمية، وعلى مواضع ترجمة ابن تيمية في كتب الإمام الذهبي، ولعلي أذكر بعض مقولات الإمام الذهبي في ابن تيمية، ومنها قوله:
(
ابن تيمية: الشيخ الإمام العالم، المفسر، الفقيه، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط) .
وقوله: (... ونظر في الرجال والعلل، وصار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر مع التدين والنبالة، والذكر والصيانة، ثم أقبل على الفقه، ودقائقه، وقواعده، وحججه، والإجماع والاختلاف حتى كان يقضى منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم يستدل ويرجح ويجتهد، وحق له ذلك فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه، فإنني ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح أو المسند أو إلى السنن منه، كأن الكتاب والسنن نصب عينيه وعلى طرف لسانه، بعبارة رشيقة، وعين مفتوحة، وإفحام للمخالف...) .
وقال: (... هذا كله مع ما كان عليه من الكرم الذي لم أشاهد مثله قط، والشجاعة المفرطة التي يضرب بها المثل، والفراغ عن ملاذ النفس من اللباس الجميل، والمأكل الطيب، والراحة الدنيوية) .
ومما قاله في رثائه:
يا موت خذ من أردت أو فدع *** محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانقصمت *** عرى التقى واشتفى أولو البدع
غيبت بحراً مفسراً جبلاً *** حبراً تقياً مجانب الشيع
اسكنه الله في الجنان ولا *** زال علياً في أجمل الخلع
مضى ابن تيمية وموعده *** مع خصمه يوم نفخة الفزع
وقال فيه: (... كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة وإقدام، وعدم مداراة الأغيار، ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه...) .
وقال عنه: (... لا يؤتى من سوء فهم، بل له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم فإنه بحر زخار، بصير بالكتاب والسنة، عديم النظير في ذلك، ولا هو بمتلاعب بالدين، فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومنافقتهم، ولا هو ينفرد بمسائل بالتشهي.... فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالاً ولا جاهاً بوجه أصلاً، مع خبرتي التامة به، ولكن لا يسعني في ديني ولا في عقلي أن أكتم محاسنه، وأدفن فضائله، وأبرز ذنوباً له مغفورة في سعة كرم الله تعالى....) .
وقال الشوكاني رحمه الله (إمام الأئمة المجتهد المطلق) .
رحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية، وأسكننا وإياه في الفردوس الأعلى من جنته .
(
نقلا عن كتاب " دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية " للدكتور عبدالله الغصن - وفقه الله ، طبع دار ابن الجوزي بالدمام ،ص161-139، ومن أراد الهوامش فعليه بالكتاب .. ).
 كتاب الصارم المسلول على شاتم الرسول

تأليف شيخ الإسلام: أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني الدمشقي.
وكان الواجب من جميع المؤمنين توقير واحترام ومحبة هؤلاء الرسل لأشخاصهم أولاً، ولرسالة ربهم ثانياً، لأن محبتهم مرتبطة بمحبة الخالق العظيم سبحانه وتعالى.
وقد سار على هذا جموع الناس حتى من غير المؤمنين، فما يتكلم عقلاؤهم عن هؤلاء الأنبياء إلاَّ بغاية الأدب والتهذيب.
ولكن شذ من الناس في كل زمن أفراد لا يعدون شيئاً عندما نبحث أمور العقول وحسن التخاطب.
وقد قام علماؤنا ببيان العقوبات التي أوجبها الله تعالى على الحاكم المسلم للدفاع عن مكانتهم العالية ومنزلتهم السامية، ومن هؤلاء العالم المجاهد شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الدمشقي الذي ألَّف كتاباً في بيان أحكام هذا الموضوع، وذلك رداً على مَنْ تجرأ على سب النبي صلَّى الله عليه وسلم، ولما رأى من تهاون بعض الحكام وتسويغ بعض أهل العلم، فكان كتابه الجامع المانع:
(
الصارم المسلول على شاتم الرسول).
وقد رتب ابن تيمية رحمه الله كتابه على أربع مسائل هي:
المسألة الأولى: في أن السابَّ يُقتل، سواء كان مسلماً أو كافراً.
المسألة الثانية: في أنه يتعيّن قتله وإن كان ذمياً، فلا يجوز المَنُّ عليه ولا مفاداته.
المسألة الثالثة: في حكم الساب إذا تاب.
المسألة الرابعة: في بيان السب، وما ليس بسبّ، والفرق بينه وبين الكفر.
وسيجد القارئ الكريم في هذا الكتاب النفيس من تفصيل الموضوعات ووجوه الدلالات ما يروي غليله ويشفي سؤاله، وقد ربط رحمه الله النتائج بالأسباب والفروع بالأصول. جزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.
:
عقائد ابن تيمية
ابن تيمية ورأيه في الصفات الخبرية
عقائده و آراؤه


إنّ المحنة الأُولى لابن تيمية بدأت ممّا نشره باسم « العقيدة الحموية » حيث أجاب فيها عن سؤال أهل « حماه » في آيات الصفات ، مثل قوله : ( الرَّحمنُ عَلى العَرْشِ استوي ) وقوله : ( ثُمّ اسْتَوَى إلى السّماءِ ) ، وأحاديث الصفات ، كقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « إنّ قلوب بني آدم بين إصبعين من اصابع الرحمن » ، وقوله : « يضع الجبار قدمه في النار » بما هذا نصه :
« فهذا كتاب اللّه من أوله إلى آخره ، وسنة رسوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) من أولها إلى آخرها ، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين ، ثم كلام سائر الائمة مملوء بما هو إمّا نص وإمّا ظاهر في أنّ اللّه سبحانه وتعالى فوق كل شيء ، وعلى كل شيء ، وأنّه فوق السماء ، مثل قوله : ( إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيّبُ ، وَ العَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) ، ( إنّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلىَّ ) ، ( أمِنْتُم مَنْ فِي السّماءِ أنْ يَخسِفَ بِكُمُ الأرْضَ ... ) ، ( أمِنْتُم مَنْ في السّماءِ أنْ يُرسِلَ عَلَيْكُم حَاصباً ... ) ، ( بَلْ رَفَعَهُ اللّهُ إليْهِ ... ) ( إلَيْهِ تَعْرُجُ ... وَالرُّوحُ ... ) ( يَخَافُونَ رَبَّهم مِنْ فَوْقِهِم ... ) ( ثُمَّ استَوى عَلى العَرْشِ ) (في ستة مواضع ) . ( الرّحمنُ عَلَى العَرْشِ استَوى ) ، ( يا هَامَانُ ابْنِ لي صَرْحاً لَعَلّي أبْلُغُ الأسبابَ ، أسْبَابَ السَّمواتِ ، فأطَّلِعَ إلى إله
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ الصفات الخبرية ، هي الصفات الّتي أخبر عنها القرآن والسنة ، مقابل ما يدل عليه العقل كالعلم والقدرة.

موسى وَ إنِّي لاَظُنّهُ كاذِباً ... ) ، ( تَنزيلٌ مِنْ حكيم حميد ) ، ( مُنَزّلٌ مِنْ رَبِّك ) إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلاّ بكلفة .
وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى ، مثل قصة معراج الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) إلى ربّه ، ونزول الملائكة من عنداللّه وصعودهم إليه ، وقوله في الملائكة : « الذين يتعاقبون بالليل والنهار ، فيعرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم ، فيسألهم وهو أعلم بهم » ، وفي الصحيح في حديث الخوارج : « ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء ، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء » وفي حديث الرقية الّذي رواه أبو داود وغيره : « ربنا اللّه الّذي في السماء تقدس اسمك. أمرك في السماء كما رحمتك في السماء ، اجعل رحمتك في الأرض. اغفر لنا حوبنا وخطايانا ، أنت ربّ الطيبين » ، وقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ من إخوانه فليقل : « ربنا اللّه الّذي في السماء ذكره » ، وقوله في حديث الأعمال : « والعرش فوق ذلك ، واللّه فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » وقوله في حديث قبض الروح : « حتّى يعرج به إلى السماء الّتي فيها اللّه ».
وقول عبداللّه بن رواحة الّذي أنشده للنبي وأقره عليه : شهدت بأنّ وعد اللّه حقٌ وأنّ العرش فوق الماء طاف وأنّ النار مثوى الكافرينا وفوق العرش ربّ العالمينا
وقول أُمية بن أبي الصلت الّذي أنشده للنبي ، فاستحسنه ، وقال : آمن شعره وكفر قلبه. مجّدوا اللّه فهو للمجد أهل بالبناء الأعلى الّذي سبق النا شرجعاً (1) ما يناله بصر الـ ربّنا في السماء أمسى كبيراً س وسوىّ فوق السماء سريرا ـعين ترى دونه الملائك صوراً (2)
إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلاّ اللّه ، مما هو من أبلغ التواترات اللفظية والمعنوية الّتي تورث علماً يقينياً من أبلغ العلوم الضرورية ، إنّ الرسول المبلغ
--------------------------------------------------------------------------------
عن اللّه ألقى إلى أُمته المدعوين : أنّ اللّه سبحانه على العرش استوي وأنّه فوق السماء ، كما فطر اللّه على ذلك جميع الأُمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام ، إلاّ من اجتالته الشياطين عن فطرته .
ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو أُلوفاً ، ثم ليس في كتاب اللّه ولا في سنة رسول اللّه ، ولا عن أحد من سلف الأُمة ولا من الصحابة والتابعين ، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف ، حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهراً ، ولم يقل أحد منهم قط إنّ اللّه ليس في السماء ولا أنه ليس على العرش ، ولا أنه ليس في كل مكان ، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء ، ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه ، ولا متصل ولا منفصل ، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع ونحوها ، بل قد ثبت في الصحيح عن جابر أن النبي لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات ، في أعظم مجمع حضره رسول اللّه ، جعل يقول : ألا هل بلّغت؟ فيقولون : نعم ، فيرفع إصبعه إلى السماء وينكبها إليهم فيقول : اللّهمّ اشهد ، غير مرة ، وأمثال ذلك كثيرة (1).
وقد كرر ابن تيمية ما اختاره في باب الصفات الخبرية في غير واحد من آثاره ، فقال في العقيدة الواسطية : « وما وصف الرسول به ربه من الأحاديث الصحاح الّتي تلقّاها أهل المعرفة بالقبول وجب الإيمان بها ، كذلك مثل قوله : « ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة ، حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : « من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : « يضحك اللّه إلى رجلين أحدهما يقتل الآخر ، كلاهما يدخل الجنة ».
وقوله : « لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد؟ حتّى يضع رب العزة فيها قدمه » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) في رقية المريض : « ربنا اللّه الّذي في السماء ـ تقدس اسمك ـ أمرك في السماء والأرض ... ».
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ العقيدة الحموية الكبرى ـ الرسالة الحادية عشرة ـ من مجموع الرسائل الكبرى لابن تيمية ص 429 ـ 432.

--------------------------------------------------------

وقوله : « والعرش فوق ذلك ، واللّه فوق ذلك ، واللّه فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) للجارية : « أين اللّه؟ قالت : في السماء ، قال : من أنا؟ قالت : أنت رسول اللّه. قال : أعتقها فأنها مؤمنة » وقوله : « إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإنّ الله قِبَلَ وجهه ، فلا يبصق قبل وجهه ولا عن يمينه ، ولكن عن يساره أو تحت قدمه » ، وقوله : « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ».
وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان باللّه ، الإيمان بما أخبر اللّه به في كتابه ، وتواتر عن رسوله ، وأجمع عليه سلف الأُمة من أنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه ، علىٌّ على خلقه ، وهو معهم سبحانه أينما كانوا » (1).
وقال : « وقد سألوه ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فأجابهم : نعم ، وسأله أبو رزين : أيضحك ربنا؟ فقال ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) : نعم ، فقال : لن نعدم من رب يضحك خيراً. ثم إنهم لما سألوه عن الرؤية ، قال : إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر ، فشبه الرؤية بالرؤية (2).
وقال رداً على نُفاة الصفات (3) : إمّا أن يكون اللّه يحب منّا أن نعتقد قول النفاة ، أو نعتقد قول أهل الإثبات ، أو نعتقد واحداً منهما; فإن كان مطلوبه منّا اعتقاد قول النفاة ، وهو أنّه لا داخل العالم ولا خارجه ، وأنّه ليس فوق السماوات ربُّ ولا على العرش إله ، وأنّ محمداً لم يعرج به إلى اللّه ، وإنما عرج به إلى السماوات فقط ، لا إلى اللّه ، فإنّ الملائكة لا تعرج إلى اللّه بل إلى ملكوته ، وإنّ اللّه لا ينزل منه شيء ولا يصعد إليه شيء ، وأمثال ذلك. وإن كانوا يعبّرون عن ذلك بعبارات مبتدعة فيها إجمال وإبهام وإيهام ، كقولهم : ليس بمتحيز ، ولا جسم ، ولا جوهر ، ولا هو في جهة ، ولا مكان ، وأمثال هذه
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ العقيدة الواسطية ، الرسالة التاسعة ، من مجموع الرسائل الكبرى ، ص 398 ـ 400 بتلخيص.
2 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203 ، طبع لجنة التراث العربي.
3 ـ المراد : الصفات الخبرية كاليد والوجه.

--------------------------------------------------------------------------------

العبارات الّتي تفهم منها العامة تنزيه الرب تعالى عن النقائص ، ومقصدهم أنّه ليس فوق السماوات ربّ ولا على العرش إله يعبد ، ولا عُرج بالرسول إلى اللّه ، ولو كان هذا هو المطلوب كان من المعلوم أنه لا بد أن يبينه الرسول ، وقد علم بالاضطرار أنّ الرسول وأصحابه لم يتكلموا بمذهب النفاة (1).
وقال : « إنّ المالكية وغير المالكية نقلوا عن مالك أنّه قال : اللّه في السماء ، وعلمه في كل مكان ، ولأنّ علماءهم حكموا إجماع السنة والجماعة على أنّ اللّه بذاته فوق عرشه » (2).
وقال ـ نقلا عن ابن أبي حنيفة ـ « أنّه سئل عمن يقول : لا أعرف ربّي في السماء أو في الأرض؟ قال : كفر ، لأنّ اللّه يقول : ( الرَّحمن على العرش استوى ) وعرشه فوق سبع سماواته ، فقال السائل : إنّه يقول على العرش ، ولكن لا أدري العرش في السماء أو في الأرض؟ فقال : إنّه إذا أنكر أنّه في السماء كفر ، لأنّه تعالى في أعلى عليين ، وإنّه ليدعى من أعلى لا من أسفل (3).
ونقل عن عبداللّه بن المبارك أنّه سئل : بماذا تعرف ربنا؟ قال : بأنّه فوق سماواته على عرشه ، بائن عن خلقه قلت بحد لا يعلمه غيره. ثم نقل عن كثير من أئمة الحديث كالثوري ، ومالك ، وابن عيينة ، وحماد بن سلمة ، وحماد بن زيد ، وابن المبارك ، وفضيل بن عياض ، وأحمد ، وإسحاق ، عن كون اللّه سبحانه فوق العرش بذاته ، وأنّ علمه بكل مكان (4).
إلى غير ذلك مما نقله وأرسله على نسق واحد ، والكل يهدف إلى أن الصفات الخبرية يجب أن تجري على اللّه سبحانه بحرفيتها وظهورها التصوري ، من دون تفصيل وتأويل ، بإرجاعها إلى المعاني المجازية أو الكنائية.
--------------------------------------------------------------------------------
1 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203.
2 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 203.
3 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 207.
4 ـ مجموعة الرسائل والمسائل ج 1 ص 208 ـ 209.

قد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروى غليلا ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات ?الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى?[طه:5]، ?إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ?[فاطر:10]، واقرأ في النفي ?لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ?[الشورى:11]، ?وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا?[طه:110]، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. ا.هـ
ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي.ا.هـ(1)
__________
(1)
يعني عقيدة صافية (على عقيدة أمي) يعني ما دخلتها هذه الكلمات، وهذه أريد أن تستفيد منها فائدة عظيمة وهي قول هذا المتكلم (أموت على عقيدة أمي) في إبطال قول من قال: إن عامة الأمة والسواد الأعظم من الأمة على طريقة الأشاعرة والماتريدية، أو على غير طريقة السلف.

طريقة الأشاعرة والماتريدية موجودة في أذهان من درسها، في أذهان المتكلمين، في أذهان العلماء منهم، أما العامة فلو تأتي تسأل عاميا في أي بلد، أثبت لك ما أثبت القرآن، ما قام في ذهنه إلا ما يسمع بظاهر اللفظ، فهذا يقول (أموت على عقيدة أمي) أمك لماذا لم تكن مثلك؟ لأنه هو انصرف عن الفطرة بالتعليم، فلهذا لا يجوز أن يُتسامح في قول من قال إن عامة الأمة أشاعرة، أو السواد الأعظم على غير طريقة السلف، أو على هذه الطريقة الوهابية؛ بل العامة في باب الصفات لا في باب توحيد العبادة، في باب الصفات لا يعرفون الطرق الكلامية ولا يعرفون التأويلات يسمعون ويسلمون، لو تأتي لهم بتفسير ابن جرير وابن كثير وتقرؤه عليهم لما استنكروا فيه شيئا، بخلاف من تعلم فإنه خرج عن فطرته إلى شيء آخر، وهذا يقول (أموت على عقيدة أمي)، فأمه على الفطرة وهو بما تعلّم فسدت فطرته وخرج عن طريق السلف، فالعامة من المسلمين لا يعرفون هذه الطرق ولا التأويلات
ويقول الآخر منهم: أكثر الناس شكًّا عند الموت أصحاب الكلام.(1)
ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف(2)
__________
(1)
عند الموت) يعني إذا جاء الموت شكُّوا في معلوماتهم السابقة فماتوا على غير عقيدة، ماتوا مترددين، متذبذبين، متشككين. نسأل الله العافية والسلامة.
(2)
السؤال:.... غير مسموع]
هذه ما ودّي أنك سألت عنها؛ لأنه استعملها بعض الفضلاء، بعض الأئمة (طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم) ويريد بها من استعملها ممن هم مأمونون؛ بأن طريقة السلف الاستمرار الإثبات؛ إثبات الظاهر والاستمرار على هذا الإثبات، وطريقة الخلف -يعين من تأخر على السلف- طريقتهم إثبات ما أثبته السلف بأنواع البراهين، مثل الآن طريقتنا في الشرح، تقرير العقائد، طريقة شيخ الإسلام فيها التفصيل والبرهان والردود، فيها إثبات الصفات لكن على طريقة برهانية، فيها طول وشرح، لكن السلف ما عندهم هذا، السلف آمنوا بالصفات، وأمروها على ظاهرها، آمنوا بظاهرها ظاهر اللفظ وأثبتوا ما فيها من المعنى، دون خوض في البراهين، دون خوض في التفصيلات؛ لكن من الخلف من أثبت ما أثبتته السلف لكن على طريقة التفصيل والبرهان، فهذا معناه صحيح.
ولهذا نقول في تفسير هذه العبارة: قد يستعملها بعضهم ويريد بها معنى صحيحا، هنا يريد بكلمة الخلف ما يشمل المتأخر جميعا، ولا يريد بالخلف المتكلمين؛ لأن المتكلمين حين قالوا: طريقة الخلف أعلم وأحكم، يريدون بالخلف: المتكلمين، وهذا الذي يعني المعنى الصحيح يريد بالخلف المتأخر؛ لأن الخلف من تبع أو من جاء بعد من سلف يقال له خلف، الألف واللام هنا إما للعهد وهو



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق