الأربعاء، 1 فبراير 2012

كُلين عقله في رأسه )

 
 (كُلين عقله في رأسه )
هل ستبطل هذه القاعدة المتعارف عليها ؟
أين عقلك ؟
قد تستغربوا من أن وجود العقل مختلف فيه ، وهذه المسألة أشكلت على كثير من النظّار الذين ينظرون إلى الأمور نظرة مادية ،ويرون أن العقل في الرأس ،بينما آخرون من يستدل بكتاب الله تعالى وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يرون أن العقل في القلب 0
بمعنى آخر أن العقل في القلب و أن القلب في الصدر قال تعالى ( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها ) وقال تعالى ((ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ويستلون ايضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )
ومن هنا فماهي علاقة الدماغ بالقلب ؟
هل الدماغ يتحكم بعمل القلب كما يقول العلماء، أم أن العكس هو الصحيح؟
أكد القرآن في كثير من آياته على أن القلب هو مركز العاطفة والتفكير والعقل والذاكرة. ومنذ ثلاثين عاماً فقط بدأ بعض الباحثين بملاحظة علاقة بين القلب والدماغ، ولاحظوا أيضاً أن للقلب دور في فهم العالم من حولنا، وبدأت القصة عندما لاحظوا علاقة قوية بين ما يفهمه ويشعر به الإنسان، وبين معدل ضربات القلب وضغط الدم والتنفس في الرئتين. ومن هنا بدأ بعض الباحثين يدرسون العلاقة بين القلب والدماغ. ووجدوا بأن القلب يؤثر على النشاط الكهربائي للدماغ.
هل بدأ التفكير في الرجوع عن ما أعتقد فيه أنه من المسلمات به في علم الطب ؟
على مدى سنوات طويلة درس العلماء القلب من الناحية الفيزيولوجية واعتبروه مجرد مضخة للدم لا أكثر ولا أقل. ولكن ومع بداية القرن الحادي والعشرين ومع تطور عمليات زراعة القلب والقلب الاصطناعي وتزايد هذه العمليات بشكل كبير، بدأ بعض الباحثين يلاحظون ظاهرة غريبة ومحيرة لم يجدوا لها تفسيراً حتى الآن!إنها ظاهرة تغير الحالة النفسية للمريض بعد عملية زرع القلب، وهذه التغيرات النفسية عميقة لدرجة أن المريض بعد أن يتم استبدال قلبه بقلب طبيعي أو قلب صناعي، تحدث لديه تغيرات نفسية عميقة، بل إن التغيرات تحدث أحياناً في معتقداته، وما يحبه ويكرهه، بل وتؤثر على إيمانه أيضاً!! بل يرى بعض الباحثين اليوم أن القلب يوجه الدماغ في عمله بل أن كل خلية من القلب لها ذاكرة وإن تاريخنا مكتوب في كل خلية من خلايا جسدنا0 ؟
هل بطل قول القائل (كُلين عقله في رأسه )!!!!!
قلت :سبحان الله يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك 0
قال تعالى :(وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: 179].

الثلاثاء، 31 يناير 2012

عبور النهر لمحات في جغرافية و تاريخ الكسر


عبور النهر لمحات في جغرافية وتاريخ الكسر
منطقة الكسر :

جغرافياً
الكسر منطقة تجمع السيول غرب مدينة شبام التاريخية نحيث تترسب مجموعة كبيرة من الإرسابات الغرينية المنقولة بواسطة السيول لتكون بذلك تربة خصبة جيدة الخصوبة 0
ويعرف قديماً بكسر قشاقش وفيه يقول الشاعر العربي أبو سليمان بن يزيد بن أبي الحسن الطائي :
و واطن من براقش أو
فاسمع فاتلاب بنا مليع
وقال الطائي أيضا :
تستن بالضرو من براقش او
هيلان او يانع من القثم
يصف بقرا تستن بالضرو وهو شجر يستاك به وقال فروة بن مسيك المرادي :
احل بحاجر جدي غطيف
معين الملك من بين البنينا
وملكنا براقش دون اعلى
وانعم اخوتي وبني ابينا
وقال علقمة :
وقد اسوا براقش حين اسوا
ببلقعة ومنبسط انيق
وحلوا من معين ثم حلوا
لعزهم لدى الفج العميق
سبب التسمية
وإما سبب التسمية فهو من كسر مياه السيول القادمة من وديان حضرموت وهو اصح الأقوال في نظري 0
امتداد الكسر
وتمتد هذه المنطقة من الشمال إلى الجنوب بخط عرضي أي من هينين إلى قعوضة جنوباً ومن الخشعة أو أسفل رخية غرباً حتى مشارف الفرط من مدينة القطن شرقا 0
وتضم قرى كثيرة وتجمعات سكنية متناثرة ومترابطة على جوانبي الوادي تعدُ من أفضل المناطق الزراعية عبر تاريخ حضرموت من قبل الإسلام لصلاحية تربته الزراعية وتوفر المياه فيه ، إضافة إلى ما تتمتع به هذه المنطقة من موقع استراتجي كبوابة في مدخل مدن وادي حضرموت لهذا قال إبن عبيد الله السقاف في أدام القوت كما نقله عن جملة من المؤرخين (000هو صقع واسع من أحسن بلاد حضرموت تربة بل وأحسنها على الإطلاق بشهادة ما جاء بالأصل [ قلت : يقصد كتابه ] من فضول صدقات تجيب [ قلت : قبيلة كندية صاحبة الأرض هذه ] وكثرتها وسيأتي في قارة الشناهز ما يفهم منه إن ناسا من قبيلة حضرموت يسكنونه في سنة 605 قال ابن الحائك الحسن بن احمد الهمداني ]ويسكن الكسر في وسط حضرموت تجيب منهم اليوم بها أربعمائة فارس وإحدى عشر مئة راجل ويعرف بالكسر )
وقال الهمداني في صفة جزيرة العرب : ( والكسر قرى كثيرة منها قرية يقال لها هينن فيها بطنان من تجيب يقال لهما بنو سهل وبنو بدا فيهما مائتا فارس يخرج من درب واحد ورأسهم اليوم محمد بن الحصين التجيبي .اهـ.)
ونقل عن أحمد بن محمد مؤذن باجمال عن عوض بن احمد الجرو إن يوسف بن عبد الأعلى الصدفي توفي سنة 264 وكان ممن يسكن الكسر وقد ترجمه ابن خلكان وأطال وكذلك الحاف ابن حجر في تهذيب التهذيب والخزرجي في خلاصته وهو من كبار الفقهاء اخرج له النسائي ومسلم وابن ماجه وكانت ولادته في سنة 170هـ 000
وجاء في الشامل من تاريخ حضرموت للسيد علوي بن طاهر الحداد عن منطقة الكسر مواطن قبيلة كندة وقبيلة حضرموت قال وكندة كانت مواطنها في وادي العبر ووادي دوعن سهلا وجبلا يخالطهم الصدف وقوم من حمير حضرموت وأكثر تجيب كان في الكسر في هينن وصوران وقشاقش وعندل وخودون وهدون ودمون والهجرين وريدة الدين وفي سدبة وحورة والعجلانية وكان في الكسر منهم إلى حدود سنة الثلاثمائة وما بعدها نحو ألف وخمسمائة مقاتل منهم أربعمائة فارس وكان منهم في رخية السور ومنوب ووادي دهر ووادي عرما0000 )
ثم تابع الهمداني بقية المناطق شرق الكسر في بقية مناطق وادي حضرموت 0
الكسر في تاريخ حضرموت القديم
ثم أن الكسر منطقة قديمة جدا صالحة للاستيطان البشري يعود تاريخها إلى ألاف السنين قبل الميلاد وبعده ؛ والدليل على ذلك أنه قد وجد بها آثار ونقوش وكتابات عن مملكة حضرموت القديمة ، من قبل البعثات الأجنبية التي نقبت في كسر قشاقش في فترة السبعينات والثمانينات بوادي حضرموت ومن ذلك أنها شهدت معارك مع الملك السبئي المشهور " شعرم اوتر"ملك سبا وذو ريدان في نهاية القرن الثاني ومطلع القرن الثالث الميلادي كما جاء في النقش الموسوم بهذا أنظر (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام د0 جواد علي ) قال في 4/34 وهو يتابع غزو الملك السبئي لحضرموت وتدمير عاصمتها ووصوله إلى الكسر (ووصل "شعرم أوتر" نفسه بجيوشه إلى موضع سقطت حروفه الأولى من اسمه وبقي حرفان منه، وهما "... وت"؛ لذلك يرى "كلاسر" أنهما بقية اسم عاصمة حضرموت مدينة "شبوت" "شبوة"1، أو "موت" على رأي غيره2، ووصل "شعرم" إلى موضع آخر اسمه "صوارن" "صواران" "صوأرن" "صوارن"3. وقد عاد "سعد أحرس" بغنائم كثيرة من حروبه هذه وغزواته، شاكرًا الإله "تألب ريام بعل ترعت"، أن نصره وعافاه وشفاه من جروحه في غزوته المذكورة4.
ويظهر أن "صوأرن" هي "صوران" التي ذكرها "الهمداني"، وتعرف اليوم بـ"العادية" وهي في حضرموت في "وادي الكسر"5. )
أهمية الكسر من الناحية الإستراتجية
كان الكسر عبر التاريخ الخط الدفاعي الأول لمدن حضرموت الداخل في إثناء تكرار غزو الدول والممالك اليمنية القديمة لمملكة حضرموت وكذلك في تاريخ دخول اليمن الوسيط توغل الجيوش التي أرسلها ولاة الدولة الأموية والعباسية من صنعاء في تعقب الثوار الأباضيون اتجاه حضرموت حتى القرن الخامس الهجري ودخول جيوش الأكراد الغز وجيوش ابن مهدي والصليحي والجيش النجدي بقيادة ابن قملا في قرون أتت بعد ذلك وغيرهم ، شهدت معارك حاسمة غيرت طبيعة الأرض في هذه المنطقة من وادي حضرموت و دلت على أهميتها 0 فكان سكان هذه المنطقة من كندة وتجيب الخط الدفاعي الأول للجيوش الغازية والقبائل الناقلة إلى حضرموت ، حتى أنه في تاريخ الدولة الكثيرية قد وصلت جيوش الإمام الزيدي المتوكل إسماعيل سنة 1070 هجرية إلى هذه المنطقة والواقعة انظرها في تاريخ حضرموت 0
ومن أهمية هذه المنطقة (الكسر ) عند دخول حضرموت الإسلام أن ذهبت وفود على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من تجيب وكندة والصدف من هذه المناطق أما تجيب من منطقة الكسر وتحديدا من قرى هينين و العجلانية حاليا وماجاورها وقد نقلت من كتاب الطبعة الثانية المنقحة والمزيدة (الإفادة في معرفة الصحابة من كندة وحضرموت ) عن وفد تجيب : 0قال: أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي، أخبرنا عبد الله بن عمرو بن زهير عن أبي الحويرث قال: قدم وفد تجيب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سنة تسع، وهم ثلاثة عشر رجلاً، وساقوا معهم صدقات أموالهم التي فرض الله عليهم، فسر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهم وقال: مرحباً بكم! وأكرم منزلهم وحباهم، وأمر بلالاً أن يحسن ضيافتهم وجوائزهم، وأعطاهم أكثر مما كان يجيز به الوفد، وقال: هل بقي منكم أحد؟ قالوا: غلام خلفناه على رحالنا وهو أحدثنا سناً، قال: أرسلوه إلينا، فأقبل الغلام الى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أمرؤ من بني أبناء الرهط الذين أتوك آنفاً فقضيت حوائجهم فاقض حاجتي، قال: وما حاجتك؟ قال: تسأل الله أن يغفر لي ويرحمني ويجعل غناي في قلبي، فقال: اللهم أغفر له وارحمه واجعل غناه في قلبه، ثم أمر له بمثل ما أمر به لرجل من أصحابه، فأنطلقوا راجعين إلى أهليهم، ثم وافوا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الموسم بمنًى ستة عشر، فسألهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الغلام، فقالوا: ما رأينا مثله أقنع منه بما رزقه الله، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: إني لأرجو أن نموت جميعاً.)[أنظر طبقات أبن سعد وفد تجيب ]
والكسر اليوم به مجاميع قبلية مختلفة في العروض والقارة و قعوظه ومنطقة آل ثابت النهديين ((نهد)) وأجزاء من عرض آل مخاشن
ومنطقة مفرق بن عيفان ملتقى حضرموت ومنطقة المخينيق وهينن آل اسحاق وضواحيها
وتمتد غربا حتى الخشعة وشرقا إلى قريب من القطن 0
وقد كان الكسر ساحات عراك وحروب قبلية في تاريخ حضرموت حتى وقت متأخر من تاريخ حضرموت الحديث خاصة بين السلطان الكثيري 0بدر بن عبد الله بوطويرق ) وقبائل نهد بين كر وفر خاصة في القرن العاشر الهجري ومابعده وقد ذكر بامطرف في المختصر من تاريخ حضرموت قال (000عد ذلك حصر (نهد) اهتمامهم بمنطقتهم الواقعة غربي حضرموت، وظلوا مسيطرين على مناطق الكسر والهجرين ووادي عمد حتى هاجمهم أبو طويرق سنة 937 هـ (1530 م) وضم هذه المناطق، وما جاورها غربًا إلى شبوة، إلى الدولة الكثيرية، باستثناء وادي عمد.
وفي سنة 947هـ (1546م) استولى أبو طويرق على منطقة وادي عمد ونواحيها، وقُتلَ المتولي بها وهو فارس بن عبد الله بن علي <104> العامري النهدي.)
كانت هذه صورة مختصرة عن جغرافية وتاريخ الكسر والله ولي الهداية والتوفيق

الاثنين، 30 يناير 2012

جنازة أبن تيمية / مباحث تابعة للموضوع ( الجزء الرابع والأخير )


-الزهد والورع في العبادة عند أبن تيمية رحمه الله
مما عرف عن أبن تيمية رحمه الله كما مر بنا في ترجمة حياته من قبل زهده وورعه وكثرة عبادته ورياضته الروحية من أذكار ونوافل فكما نقل عن تلميذه أبن القيم رحمه الله أن شيخه يجلس في مقعده الذي صلى فيه الصبح في جماعة في المسجد يذكر الله حتى تطلع الشمس حسناء بيضاء أو إلى قبيل آذان الظهر وله مقامات عظيمة في العبادة بين يدي الله تعالى ينصب فيها قدميه ساجدا لله تعالى ممرغا جبهته في التراب ، وكل هذا بعين بصيرة على التمسك بالسنة خلافا لما يفعله أهل البدع من المتصوفة ، فالشيخ رحمه الله يدعي إلى أهمية لزوم السنة في الزهد والعبادة والورع في ترك المحرمات والشهوات والاقتصاد في العبادة وكما نقل عنه أنه قال :( وأن لزوم السنة هو يحفظ من شر النفس والشيطان بدون الطرق المبتدعة فإن أصحابها لا بد أن يقعوا في الآصار والأغلال وإن كانوا متأولين فلا بد لهم من إتباع الهوى ولهذا سمي أصحاب البدع أصحاب الأهواء فإن طريق السنة علم وعدل وهدى وفي البدعة جهل وظلم 000 )
و الزهد والورع قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله : ( قد كتبت في كراسة الحوادث فضلا في جماع الزهد والروع وأن الزهد هو عما لا ينفع اما لانفاء نفعه أو لكونه مرجوحا لأنه مفوت لما هو أنفع منه أو محصل لما يربو ضرره على نفعه وأما المنافع الخالصة أو الراجحة فالزهد فيها حمق وأما الورع فإنه الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجل وظلم وذلك يتضمن ثلاثة أقسام لا يتورع عنها المنافع المكافأة والراجحة والخالصة كالمباح ألمحض أو المستحب أو الواجب فان الورع عنها ضلالة 000 )
والفرق بين الزهد والورع فتلخص كما قال عنه شيخ الإسلام : ( أن الزهد من باب عدم الرغبة والإرادة في المزهود فيه والورع من باب وجود النفرة والكراهة للمتورع عنه وانتفاء الإرادة إنما يصلح فيهما ليس فيه منفعة خالصة أو راجحة وأما وجود الكراهية فإنما يصلح فيهما فيه مضرة خالصة أو راجحة وأما وجود الكراهة فإنما يصلح فيما فيه مضرة خالصة أو راجحة فأما إذا فرض ما لا منفعة فيه ولا مضرة أو منفعته ومضرته سواء من كل وجه فهذا لا يصلح أن يراد ولا يصلح أن يكره فيصلح فيه الزهد ولا يصلح فيه الورع فظهر بذلك أن كل ما يصلح فيه الورع يصلح فيه الزهد من غير عكس وهذا بين فإن ما صلح أن يكره وينفر عنه صلح أن لا يراد ولا يرغب فيه 000 )
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى
التواضع من الزهد

قد ذكرنا في مامضى بعضا ولا نقول كل شيء عن الزهد والورع في العبادة عند أبن تيمية رحمه الله ، ونواصل من أن التواضع من الزهد حتى أن أبو حاتم الرازي رحمه الله صنف مصنفا في الزهد وجعل التواضع من أولويات الزهد قال رحمه الله بعد أن ساق السند غلى زوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بنت الصديق رضي الله عنها قال :عن الأسود ، عن عائشة ، قالت : « إنكم لمغفلون أفضل العبادة : التواضع »
وقال أبي داوود في الزهد ايضا وساق سنده قال :سمعت عمر ، على المنبر يقول : إن العبد إذا تواضع لله رفع الله حكمته وقال : انتعش نعشك الله ، فهو في نفسه صغير أو فقير وفي أنفس الناس كبير ، وإن العبد إذا تكبر وعدا طوره وضعه الله على الأرض ، وقال : اخسأ خسأك الله ، فهو في نفسه كبير وفي أعين الناس صغير ، حتى أنه أحقر وأصغر في أعين الناس من الخنزير .
وصنف الأمام أحمد بن حنبل مصنفا مشهورا في الزهد وقال فيه :حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا زهير يعني ابن محمد ، عن صالح يعني : ابن كيسان أن عبد الله بن أبي أمامة أخبره ، أن أبا أمامة أخبره ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « البذاذة (1) من الإيمان ، البذاذة من الإيمان ، البذاذةالبذاذة : رَثَاثة الْهيئة يقال : بّذُّ الْهيئة وبَاذُّ الهيئة : أي رَثُّ اللِّبْسة، وقد يراد بذلك التواضع في اللباس وترك التَّبَجُّح به من الإيمان » قال : عبد الله هذا أبو أمامة الحارثي قال عبد الله : سألت أبي قلت : ما البذاذة ؟ قال : التواضع في اللباس «
وجاء عنه أي الأمام أحمد قال :حدثنا عبد الله ، أخبرنا أبي ، حدثنا هاشم ، حدثنا الفرج بن فضالة ، عن أبي راشد ، عن يزيد بن ميسرة قال : « قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ما لي لا أرى فيكم أفضل العبادة ؟ قالوا : وما أفضل العبادة يا روح الله ؟ قال : التواضع لله عز وجل »
والتواضع رفعة للعبد المؤمن كما أخبربذلك المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه " من تواضع لله رفعه الله " .قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 432 : الحديث حسن وله شواهد رواه أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 46 )
وجاء في ستنن البيهقي بإسناد حسن عن جر بن عبد الله رضي الله عنه قال نزلنا الصفاح فإذا رجل نائم تحت شجرة قد كادت الشمس تبلغه قال فقلت للغلام انطلق بهذا النطع فأظله ل فانطلق فأظله فلما استيقظ فإذا هو سلمان رضي الله عنه فأتيته أسلم عليه فقال يا جرير تواضع لله فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة يا جرير هل تدري ما الظلمات يوم القيامة قلت لا أدري قال ظلم الناس بينهم000
فالتواضع لله تعالى والخضوع له والخشوع من أرقى مقامات العبودية قال تعالى :
لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88 الحجر وقال تعالى في الشعراءوَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) فهذا التواضع عبادة لله تعالى خلافا للتواضع المصطنع الذي قد يلبسه بعض الناس رياء وسمعة 0
لأن التواضع من الزهد و من صلاح القلوب فالأرواح تغذى بالتقوى وبالأعمال الصالحة حتى تسمو وترتفع بينما الأبدان تغذيتها بمآكل ومشارب فكلما كثرت كسلت أو أفسدت وأخلدت صاحبها إلى الأرض قال شيخ الأسلام أبن تيمية في مجموع الفتاوى :
(
أن الصلاح في الفقراء أكثر منه في الأغنياء . كما أنه إذا كان في الأغنياء فهو أكمل منه في الفقراء فهذا في هؤلاء أكثر وفي هؤلاء أكثر لأن فتنة الغنى أعظم من فتنة الفقر فالسالم منها أقل . ومن سلم منها كان أفضل ممن سلم من فتنة الفقر فقط ؛ ولهذا صار الناس يطلبون الصلاح في الفقراء لأن المظنة فيهم أكثر . فهذا هذا والله أعلم . فلهذا السبب صارت المسكنة نسبته وكذلك لما رأوا المسكنة والتواضع في الفقراء أكثر اعتقدوا أن التواضع والمسكنة هو الفقر وليس كذلك . بل الفقر هنا عدم المال والمسكنة خضوع القلب وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من فتنة الفقر وشر فتنة الغنى وقال : بعض الصحابة ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر وقد قال صلى الله عليه وسلم { والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخاف أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها } ولهذا كان الغالب على المهاجرين الفقر والغالب على الأنصار الغنى والمهاجرون أفضل من الأنصار وكان في المهاجرين أغنياؤهم من أفضل المهاجرين مع أنهم بالهجرة تركوا من أموالهم ما صاروا به فقراء بالنسبة إلى ما كانوا عليه .)

أبن تيمية لم يكن فيلسوفا ولا من رجال المنطق بل كان عالما ربانياً و إماماً مجددا للمسلمين
لله در شيخ الإسلام أبن تيمية يظهر بريق معدنه ولمعانه في كل عصر وفي كل زمان ، بحر من العلم لا ساحل له ،من غاص في جوفه وجد كل شيء ثمين ، لا زال منهجه وطريقته وعلمه مجال بحث ونقاش في مختلف الجامعات والدراسات من ذلك رجال الفلسفة والكتاب الماضين والمعاصرين ممن يحلو له ان يصفه بالفليسوف وهذا غير صحيح إطلاقا أن يوصف بهذا فهم بهذا يلغون ماعنده من علوم الشريعة وهي أجل العلوم وأكرمها وأفضلها عند الله تعالى ، قال الله تعالى :"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "(28) سورة فاطر فأختص الله العلماء بالخشية من دون الناس وهذا المقام في العبودية لله تعالى هو من أجل وأعظم المقامات 0
ومن وصف بأنه عالم رباني أمتن الله عليه بالعلم في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يوصف بالفليسوف أو المفكر الإسلامي وغيرها من الألقاب فهذا لعله من اهل الباطل الذين قد تناصروا على ابن تيمية رحمه الله، في الماضي والحاضر ورموه من قوس واحدة بالعداء(ولم يزل المبتدعون أهل الأهواء، وآكلوا الدنيا بالدين، متعاضدين، متناصرين في عدوانه، باذلين وسعهم بالسعي في الفتك به، متخرصين عليه الكذب الصراح، مختلقين عليه، وناسبين إليه ما لم يقله ولم ينقله، ولم يوجد له به خط، ولا وجد له فيه تصنيف ولا فتوى، ولا سمع منه في مجلس) -أنظر دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية عرض ونقد-
ابن تيمية رحمه الله يصلح في حقه أن يقال العلامة المجاهد، الإمام الرباني المجدد ، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (661 - 728هـ) ذلك العلامة الفذ الذي لا يملك منصف من الكفار أو من المسلمين، من أعدائه أو من محبيه إلا أن يثني عليه كثيراً حين ذكره، بما يحضر ذلك المثني من صفات وخصائص لابن تيمية رحمه الله0
كتب في صحيفة عكاظ أحد الكتاب أو الصحفيين المعاصرين واسمه" شايع بن هذال الوقيان" يقول :ابن تيمية: الفيلسوف الذي نقد الفلسفةلأحد 04/05/1431 هـ 18 أبريل 2010 مالعدد : 3227الأرشيف
من المعروف، تاريخيا أن ابن تيمية كان خصما للفلسفة، ولكنه ليس بالخصم الجاهل الذي لا يعرف ماذا يقول، بل هو خبير بالفلسفة وبمداخلها ومخارجها ومبادئها ومسائلها. وقد دون نقده للفلسفة وللمنطق في عدة كتب أهمها: الرد على المنطقيين، ونقض المنطق، إضافة إلى بعض ما ورد في درء تعارض العقل والنقل.
ورغم خصومة ابن تيمية للفلسفة، فهل كان فيلسوفا ؟ أو هل يحق لنا أن نعده فيلسوفا ؟لقد أثرت سؤالا مشابها في رسالة بعثت بها للدكتور شوقي الزين: هل كان ابن عربي فيلسوفا ؟، فرد علي قائلا : لقد طرد ابن عربي الفلسفة من الباب، لتعود وتدخل عليه من النافذة. ومثل هذا الجواب ينطبق على ابن تيمية، فهو لا يكرس نفسه كفيلسوف، ولكنه كناقد للفلسفة أثبت آراء فلسفية عظيمة لا يمكن تجاهلها. وهذا ما جعل فيلسوفا مثل علي حرب يقول : إن ابن تيمية كان أبرز ناقد للمنطق الصوري بين أرسطو ومفكري ما بعد الحداثة. والمشكل التأويلي هنا أن من قرأ عبارة علي حرب قد تعامل معها بمنطق القراءة الدونية: أي إن ابن تيمية سبق الفلاسفة المعاصرين، وأنه أفضل منهم، وأننا قادرون على الاستغناء عن الفكر الغربي ما دام لدينا مفكرون عظماء، وهلمجرا. وفي هذه القراءة السجالية التي لا قيمة لها في ميزان النظر العلمي غاب ابن تيمية كفيلسوف وناقد للفلسفة ليحضر ، فحسب، كممثل أيديولوجي للمذهب السلفي في عقول الأتباع والخصوم.
والصحيح عند طلاب العلم السلفيين أن من منهجه نقض أصول الفلسفة وأهدافها العليا ونقض الأصول الكلامية ونقض أصول المنطق والنظريات الأخرى0[/COLOR]
سلوكه المنهج الصحيح للمعرفة والاستدلال ومراتب الأدلة وهي ثلاثة
بيانه لطرق العلم والمعرفة ومصادرها ( يطلق عليها أحياناً العلوم الإنسانية ) وهي ثلاثة : الحس والإعتبار والخبر أخذاً من قوله تعالى : إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً فليس هناك طريق رابع.
بيانه للطريق والدليل الشرعي ويعني بالدليل الشرعي:
1-
ما أثبته الشرع ودل عليه
2
ـ ما أباحه وأذن فيه
فالذي أثبته الشرع هو دلالة الكتاب والسنة والذي أباحه و أذن فيه هو دلالة العقل وفي علمنا أنه لم يُسبقه إلى ذلك أحد والله أعلم
لأبن تيمية مصنفات كثيرة جدا بعضها لازال مخطوط ومحفوظ وبعضها مفقود وأشتهر المطبوع منها مايلي "
1
-تفسير سورة الصمد وجواب سؤال عن كلام الله تعالى , هل يتفاضل ؟ ".
2) "
بيان تلبيس إبليس في تأسيس بدعهم الكلامية " في ست مجلدات.
3) "
منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية " في ثلاث مجلدات, وفي بعض النسخ في أربع مجلدات.
4) "
جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية " في أربع مجلدات .
5) "
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " في مجلدين , وبعض النسخ منه في ثلاث مجلدات .
6) "
الإيمان " في مجل .
7) "
الاستقامة " في مجلدين .
8) "
تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل ".
9) "
بيان الدليل على بطلان التحليل ".
10) "
الصادم المسلول على شاتم الرسول " .

1) "
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " .
2) "
تحرير الكلام في حادثة الأقسام ".
3) "
رفع الملام عن الأئمة الأعلام " .
4) "
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ".
5) "
تفضيل صالح الناس على سائر الأجناس".
6) "
التحفة العراقية في الأعمال القلبية " .
7) "
مسائل الإسكندرية في الرد على الملاحدة والاتحادية " وتعرف بالسبعينية , في الرد على ابن سبعين وإضرابه.
8) "
الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ".
9) "
فضائل القرآن ".
10) "
أقسام القرآن ".
21)"
أمثال القرآن " .
22) "
الرد على المنطق " .
23) "
الكيلانية " .
24) "
البغدادية" .
25) "
القادرية " .
26) "
الأزهرية " .
27) "
البعلبكية " .
28) "
إبطال القول بإثبات الجواهر العقلية " .
29) "
إبطال القول بقدم العالم " .
30) "
إبطال القول قي أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد " .
31) "
الوسيلة " .
32) "
الرد على البكري في الاستغاثة " .
33) "
شرح عقيدة الأصبهاني " المسمى الأصبهانية .
34)"
الصفدية . في الرد على الرد على الفلاسفة في قولهم : إن معجزات الأنبياء عليهم السلام قوى نفسانية . وفي إبطال القول بقدم العالم .
35) "
شرح أول المحصل " .
36) "
الرد على أهل كسروان الرافضة " . مجلدان .
37) "
الهلاونية ز وهو جواب سؤال ورد لسان هو لاكو , ملك التتار".
38) "
تعليق على كتاب المحرر في الفقه لجده الشيخ مجد الدين " عدة مجلات .
39) "
شرح العمدة في الفقه " مجلدات .
40) "
تحقيق الإثبات للأسماء والصفات " .
41) "
التدمرية " .
42) "
موافقة صحيح المنقول لصريح العقول " .
43)"
الاستغفار " .
44) "
التسعينية " .
45) "
درء تعارض النقل والعقل " .
46) "
الفتاوى الكبرى " والمسماه بــ ( فتاوى شيخ الاسلام ابن تيمية ).
47) "
الفتوى الحموية " .
48) "
العقيدة الواسطية " .
49) "
الاختيارات " .
50) "
رسائل شيخ الاسلام من السجن " .
51) "
مجموع تفسير ابن تيمية " .
52)
قواعد التفسير .
الصلاة خلف مستور الحال وأهل البدع
مستور الحال :
لأهل السنة أصول عرفت بأصول أهل السنة والجماعة منها أنهم يصلون الجمع والأعياد خلف الإمام المستور الذي لايعرف عنه بدعة كما ذكر شيخ افسلام أبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 1/ 276 قال رحمه الله :(( فصل ) ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات لا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلى خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور000 )
ومستور الحال :الذي لايعلم حاله فأهل السنة مجمعون على الصلاة خلفه وهذا هو فعل الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وأما الخوارج والرافضة فمن أصولهم عدم الصلاة خلف من لايعرفون حاله ولا يصححون الصلاة ويطالبون بإعادتها 0 وقد قال شيخ افسلام أبت نيمية رحمه الله في الفتاوى3/ 375
(
فالصلاة خلف مستور الحال جائزة باتفاق علماء المسلمين ، ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله ، فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة .. )أهـ .

(وأما الصلاة خلف أهل البدع والفجور قال رحمه الله في مجموع الفتاوى أيضا :
ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد . وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة . وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم . وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله . ولم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله . ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية - أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة ثم صار العلم والسنة يكثر بها ويظهر . فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين ومن قال إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة ، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان قد يشرب الخمر وصلى مرة الصبح أربعا وجلده عثمان بن عفان على ذلك . وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف . وكان الصحابة والتا بعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهما بالإلحاد وداعيا إلى الضلال .)
وقال ابن تيمية -رحمه الله - قوله [ في منهاج السنة ] في معرض استدلاله بعدم تكفير الخوارج ( ومما يدل على أن الصحابة لم يكفروا الخوارج: أنهم كانو يصلون خلفهم وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة يصلون خلف نجدة الحروري)
الصلاة خلف المبتدع الصوفي في رد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :سؤال :في حيّنا مسجد بناه جماعة من الصوفية، بعد أن أردنا نحن –يا أهل السنة- بناءه، ولكنهم أصروا على بنائه وفعلوا، وهو الآن تحت إدارتهم وتصرفهم، ويقومون فيه بأشعار ومدائح، فهل يجوز لنا نحن السُنيين أن نصلي فيه معهم وخلف إمامهم المبتدع أم ماذا نفعل ؟
الجواب:
إذا كان إمامهم ليس بكافر وإنما عنده بعض البدع التي لا تخرجه من الإسلام، فلا مانع من الصلاة معهم ونصيحتهم وتوجيههم وإرشادهم بالدعوة إلى الله بعد الصلوات، وفي حلقات العلم في المسجد حتى يستفيدوا وينتفعوا ويدعوا ما عندهم من البدع إن شاء الله، لأن هذا من باب التعاون على البر والتقوى ومن باب التناصح، أما إن كان إمامهم يتعاطى ما يوجب كفره، كالذي يستغيث بالرسول - صلى الله عليه وسلم- أو يدعوه من دون الله، أو يستغيث بالأموات وينذر لهم ويذبح لهم، هذا كفر وضلال، هذه أمور كفرية لا يصلى خلفه، لأن هذه الأمور من الأمور الكفر بالله والشرك بالله - عز وجل، وهكذا إذا كان إمامهم يعتقد اعتقادات كفرية، كأن يعتقد أن غير الله يتصرف في الكون من الأولياء، وأنهم يدبرون هذا العالم، من الأولياء كما يفعله بعض الصوفية، أو يعتقدون ما يعتقده أصحاب وحدة الوجود بأن الخالق والمخلوق واحد، الخالق والمخلوق والعبد والمعبود ونحو ذلك من المقالات الخبيثة الملحدة فهذا كافر ولا يصلى خلفه، أما إذا كانت بدع دون الكفر فإن هذا يصلى خلفه، مثل بدعة المولد وليس فيها كفر، مثل بعض البدع الأخرى التي يفعلها الصوفية وليست بكفر، بل دون الكفر فلا تمنع من الصلاة خلفه، وأما الأشعار التي يأتي بها ينظر فيها فإن كانت أشعاراً كفرية مثل أشعار صاحب البردة في قوله: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بسواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن بمعادي آخذاً بيدي فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذه أشعار كفرية، هذا اعتقادٌ ضال، فإذا كان أصحاب المسجد يعتقدوا مثل هذه الأمور فلا يصلى خلف إمامهم، لأن الاعتقاد بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، أو أنه يملك الدنيا والآخرة هذا كفرٌ ولا ضلال والعياذ بالله، لأن علم الغيب لا يعلمه إلا الله - سبحانه وتعالى -، وهكذا اعتقاد بعض الصوفية وبعض الوثنية أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- ينقذ الناس يوم القيامة، وينقذ من دعاه يوم القيامة ويخرجه من النار، هذا كله كفرٌ وضلال، إنما الأمور بيد الله - سبحانه وتعالى -، هو الذي ينجي من النار، وهو الذي يعلم الغيب، وهو مالك لكل شيء، والمدبر للأمور- سبحانه وتعالى -، والرسول - صلى الله عليه وسلم- ليس بيده إخراج الناس من النار، بل يشفع ويحد الله له حداً يوم القيامة في الشفاعة عليه الصلاة والسلام، ولا يشفع إلا لأهل التوحيد والإيمان، كما قد سأله أبو هريرة- رضي الله عنه – قال يا رسول الله: من أحق الناس بشفاعتك؟ قال:(من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه، أو قال: خالصاً من نفسه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة فهي نائلةٌ إن شاء الله، من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً)، فشفاعته لأهل التوحيد والإيمان لا لأهل الكفر بالله - عز وجل -. فالحاصل أن الإمام إذا كان عنده شيءٌ من الكفر هذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت بدعته دون الكفر فلا مانع من الصلاة خلفه، ولكن إذا وجد مسجدٌ آخر فيه أهل السنة فالصلاة خلفهم أولى وأحسن وأبعد عن الشر، ولكن مع ذلك ينبغي لأهل السنة أن يتصلوا بأهل البدع للنصيحة والتوجيه والتعليم والتفقيه والتعاون على البر والتقوى، لأن بعض أهل البدع قد يكونوا جاهلاً ما عنده بصيرة، فلو علم الحق لأخذ به وترك بدعته. فينبغي لأهل السنة أن لا يدعوا أهل البدع، بل عليهم أن يتصلوا بهم وينصحوهم ويوجهوهم ويعلموهم السنة ويحذروهم من البدعة، لأن هذا هو الواجب على أهل العلم والإيمان، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) سورة النحل، وقال - سبحانه وتعالى -: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) سورة فصلت. نسأل الله للجميع التوفيق الهداية.
الحبيب أحمد بن جعفر بن احمد بن زين الحبشي وأبن تيمية

من العلماء الذن تأثروا بمدرسة شيخ الإسلام أبن تيمية وتلميذه أبن القيم الجوزية من السادة العلويين في حضرموت الحبيب أحمد بن جعفر بن أحمد بن زين الحبشي الذي ينتسب إلى شيخ من شيوخ الصوفية في حضرموت أحمد بن زين تلميذ عبد الله بن علوي الحداد من كبار أعلام الصوفية في القرن الثاني عشر الهجري ، غير أن السيد أحمد بن جعفر الحبشي قد سلك طريقا مخالفا لأجداده من كبار الصوفية وقد ذكر أبن عبيد الله السقاف رحمه الله بعض من مواقفه التي أغضبت قومه في ( خلع راشد ) التي أشتهرت فيما بعد حوطة أحمد بن زين الحبشي في بضائع التابوت وإدام القوت منها تكسيره للدفوف في ختم رمضان وخروجه من الموالد وغيرها ويبدو أنه تأثر بشيخ الإسلام أبن تيمية والصنعاني والشوكاني وأبن عبد الوهاب الذين سمع عنهم وقرأ وأفتى بقولهم أنظر ما قاله أبن عبيد الله السقاف قال رحمه الله في إدام القوت (:كان السيد احمد بن جعفر بن احمد بن زين الحبشي أحد العلماء المحققين ، وكان على رأي ابن تيميه في جعل الثلاث باللفظ الواحد واحدة ، وكان له اتصال أكيد بسيدنا الحسن بن صالح البحر وقد أفتى مرة بتوحيد الطلاق ممن نطق بالثلاث في لفظ واحد فاشتد النكير عليه حتى انعقد لذلك مجلس بدار الحبيب البحر تقاطر له العلماء من ( دوعن ) و ( تريم ) وما بينهما ولم ينفصل الأمر بأثر المناظرة مع السيد احمد بن جعفر إلا بتسليم ما قال وكأن ذلك حدثان وصول ( نيل الأوطار ) للشوكاني إلى حضرموت ومع ذلك فلا اجزم بان الاقتناع كان لذلك إذ يحتمل أن يكون في صيغة الطلاق ما يعود عليه بالإبطال على المذهب الشافعي و الله أعلم .)
أبن تيمية في الرد على ابن عربي في دعوى إيمان فرعون
من هو أبن عربي ؟
]محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ محيي الدين أبو بكر الطائي الحاتمي الأندلسي، والمعروف بابن عربي، صاحب التصنيفات في التصوف وغيره، ولد في شهر رمضان سنة ستين وخمسمائة بمرسية بالأندلس ،وسكن الروم،ومات في دمشق ودفن فيها سنة 638 هجرية0
يلقب بالشيخ الأكبر للدلالة على رفعة شأنه بين المتصوفة قد مارس ابن عربي التأمل في الوجود وهو فتى، واطلع وهو شاب على مذاهب المتصوفة وطرائقهم في المشرق والمغرب، ثم تصوَّف وبنى تفكيره الصوفي على مذهب وحدة الوجود الذي يمثل حجر الأساس في تفكيره.
[l"]
و كان يرى بعض المستشرقين أن مذهب وحدة الوجود هو في الأصل [فكرة هندية انتقلت إلى الفرس، وعن الفرس أخذها المتصوفة، المسلمون] (أمثال الحلاَّج ، والجنيد وأبو يزيد البسطامي وغيرهم).في الرد على ابن عربي في دعوى إيمان فرعون قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله
كفر فرعون وموته كافرا وكونه من أهل النار هو مما علم بالإضطرار من دين المسلمين بل ومن دين اليهود والنصارى فإن أهل الملل الثلاثة متفقون على أنه من أعظم الخلق كفرا ولهذا لم يذكر الله تعالى في القرآن قصة كافر كما ذكر قصته في بسطها وتثنيتها ولا ذكر عن كافر من الكفر أعظم مما ذكر من كفره واجترائه وكونه أشد الناس عذابا يوم القيامة
ولهذا كان المسلمون متفقين على أن من توقف في كفره وكونه من أهل النار فإنه يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا فضلا عمن يقول إنه مات مؤمنا
أبن تيمية وأهل البيت رضي الله عنهم والرد على المناوئين له في هذه المسألة
للرد على المناوئين لشيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله الذين يرمونه من قوس واحد ويتهمون الرجل تارة بالنصب وتارة ببغض أهل البيت وتارة بتزييف التاريخ والنصوص والآثار المنقولة عنه وبما أن حب أهل البيت من أمور الإعتقاد عند أهل السنة والجماعة وقد بين شيخ الإسلام رحمه في العقيدة الواسطية ذلك حين قال في متن العقيدة : (وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ. وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ. وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.000 )
[SIZE="4"]
وردا على سؤال سئل به شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله من أن رَجُلٍ قَالَ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ ؟ "
فكان رده كما هو مبين في الفتاوى الكبرى 1/ 9قال في جوابه [/SIZE]:(أَمَّا كَوْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ ، فَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى دَلِيلٍ ، بَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَأَفْضَلُ بَنِي هَاشِمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ أَدَارَ كَسَاهُ عَلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي فَأَذْهِبْ الرِّجْسَ عَنْهُمْ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيرًا } .
وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ مُنْفَرِدًا فَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى أَنَّهُ ، هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِ الِانْفِرَادِ مُنْفَرِدًا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عُمَرَ أَوْ عَلِيٍّ ، وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْفَرِدًا ، كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : " لَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ تَنْبَغِي عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ ، لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك ، وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ وَأَوْلَى ، وَلَكِنَّ إفْرَادَ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ كَعَلِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مُضَاهَاةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ يُجْعَلُ ذَلِكَ شِعَارًا مَعْرُوفًا بِاسْمِهِ ، هَذَا هُوَ الْبِدْعَةُ .)
إن ضلال الشيعة الذين يعتقدون في الأنبياء والأئمة من أهل البيت الألوهية وكذلك طائفة من جهال المتصوفة الذين يعتقدون نحو ذلك في الأنبياء والصالحين كانوا اشد عداوة وبغضا لأبن تيمية إن عداواتهم هذه دفعتهم أن يقولوا عن أبن تيمية كثيرا من الأباطيل لا حصر لها ولعل أبرزها مايتعلق بأهل البيت وزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل والدعاء والاستغاثة بالإيمة والصالحين ونحو ذلك وبناء على هذا قالوا أن أبن تيمية هان عليه دم الحسين حين قالوا
:(
قال لا مانع من حرق دم الحسين رضي الله عنه الموجود على الشجرة التي سال عليه دمه ، ولا مانع من اتخاذ هذه الشجرة وقوداً وفحماً )( قال رحمه الله كما في منهاج السنة(ومن المعلوم أنه قد قتل من الأنبياء وغير الأنبياء ظلما وعدوانا من هو أفضل من الحسين قتل أبوه ظلما وهو أفضل منه وقتل عثمان بن عفان وكان قتله أول الفتن العظيمة التي وقعت بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وترتب عليه من الشر والفساد أضعاف ما ترتب على قتل الحسين وقتل غير هؤلاء ومات وما فعل أحد لا من المسلمين ولا غيرهم مأتما ولا نياحة على ميت ولا قتيل بعد مدة طويلة من قتله إلا هؤلاء الحمقى الذين لو كانوا من الطير لكانوا رخما ولو كانوا من البهائم لكانوا حمرا0 ومن ذلك أن بعضهم لا يوقد خشب الطرفاء لأنه بلغه أن دم الحسين وقع على شجرة من الطرفاء ومعلوم أن أن تلك الشجرة بعينها لا يكره وقودها ولو كان عليها من أي دم كان فكيف بسائر الشجر الذي لم يصبه الدم0
وحماقاتهم يطول وصفها لا يحتاج إلى أن تنقل بإسناد ولكن ينبغي أن يعلم مع هذا أن المقصود أنه من ذلك الزمان القديم يصفهم الناس بمثل هذا من عهد التابعين وتابعيهم0 )
أن أبن تيمية أيها الغلاة ودعاة الباطل في كل زمان ومكان ليس ناصبيا ولا مبغضا لأهل البيت فأنظروا ماذا قال رحمه الله عنهم ( أهل البيت ) في منهاج السنة النبوية ( 5 / 499 )
قال رحمه الله:( ولا ريب أنه لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقا على الأمة لا يشكرهم فيه غيرهم ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة مالا يستحقه سائر بطون قريش) !
وأما موقفه- ابن تيمية -من قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى ( 4 / 487 ) :
(
وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) !!
وقال في منهاج السنة النبوية ( 4 / 337 ) :
(
فلا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله ) !!وقال أيضاً في منهاج السنة النبوية ( 8 / 95 ) :) :(والحسين رضي الله عنه ولعن قاتله قتل مظلوماً شهيداً في خلافته ) !! ويقول أيضا في نفس المصدر السابق 4/330
(
وأما مقتل الحسين رضي الله عنه فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضى بذلك وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء ولم يكن لهما من السوابق ما لأهل بيتهما فإنهما تربيا في حجر الإسلام في عز وأمان فمات هذا مسموما وهذا مقتولا لينالا بذلك منازل السعداء وعيش الشهداء)
فبعد هذه النصوص التي أوردتها هل يعرف ضلال الروافض وغلاة الصوفية ودعاة الفتنة الذين ينقمون من أبن تيمية بل ويكفرونه كما هو مذهب ( حسن السقاف )في الأردن وغيره من المفتونين أنهم خابوا وخسروا فلم ولن ينالوا من علمه ومقامه شيئاً عند المسلمين فضلا عن المنصفين الذين يقرؤن النصوص على حقيقتها ولا تنطلي عليهم هذه الأكاذيب 0
ولقد أبتلي كثيرا من المسلمين بهذا التشكيك في ابن تيمية نسأل الله السلامة وأنني أقول أسأل الله بمنه وكرمه أن يهدي ضال المسلمين للحق ويعلي كلمة الحق وينشر سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ويعين دعاة أهل السنة والجماعة في دعوتهم للناس كافة للهدي والإتباع 0 وبالله التوفيق
ثناء ومديح الشيخ علوي بن سقاف الجفري لأبن تيمية

قد قلت في موضوع متقدم أن أبن تيمية شيخ الإسلام قد عرف في حضرموت وإنتشرت كتبه بين أهل العلم وأستفاد منها كثير من المشتغلين بالعلوم الشرعية ،بل أفتوا ورجحوا أقواله في مسائل فقهية وأخذوا بأقواله في مسائل عقدية وذكرت الشيخ العلوي أحمد بن جعفر الحبشي حفيد احد كبار الصوفية في حضرموت ، ومع هذا لم يأخذ بأقوال مشائخه المتعصبون الذين عقدوا له مجلس عند الصوفي حسن بن صالح البحر في ذي أصبح شمال الحوطة - خلع راشد - وتقدم الحديث عن هذا 0 ويأتي شيخ آخر من علماء العلويين البارزين في زمانه متأثرا بإبن تيمية إلى أبعد الحدود حتى قال أبن عبيد الله السقاف رحمه الله عنه : (وقد ترجم لإبن تيمية ولتلميذه ابن القيم وللشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة المشهورة ـ والكلام للسقاف ـ وأطنب في الثناء عليهم ) [ انظر " إدامة القوت صفـ351ـحة وبضائع التابوت ج2ق114 ] .0
ومما أشتهر به هذا العلامة أي علوي بن سقاف الجفري أن صنف كتاباً مخطوطا سماه " الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة " رد فيه رحمه الله على بدعة الفاتحة التي يختم بها القوم حديثهم في كل مناسبة بما فيها الصلاة بين لهم أن هذه بدعة ولم يظهر هذا الكتاب مطبوعا حتى الآن وقد ذكر إبن عبيد الله أنه يمتلك نسخة مخطوطة من كتاب الدلائل الواضحة في الرد على رسالة الفاتحة "
العلامة الشيخ علوي بن سقاف بن محمد الجفري رحمه الله (ت سنة 1273هـ)اشتهر بتأثره الواضح بشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب , ذكر ذلك الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف حفظه الله 0
ويظهر من هذا تأثر علماء بارزين بشيخ الإسلام أبن تيمية بالرغم من معايشتهم وأخذهم من مشائخ الصوفية أو المتمذهبين بالشافعيه0
وفيه ايضا وجود تحرر نسبي في البحث والإجتهاد كان موجودا مع شدة وغلظة للمخالفين وإرهاب فكري بمنع إنتشار دعوتهم في أوج نشاط الدعوة الصوفية في حضرموت في القرن الثالث عشر الهجري ومابعده مع سوء أحوال الناس في ذلك الزمان خاصة في عقائدهم والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل0 كتبه العبد الفقير الحضرمي التريمي غفر الله له وعفا عنه 0

تلاميذه كبار علماء الأمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو تأمل الواحد منا وتفكر في أعظم آثار أبن تيمية بعد توفيق الله له في تجديد دين المسلمين على يدية منذ عصره حتى اليوم لوجد أن أ أعظم أثر تركه لأمة الإسلام منذ وفاته كان تلاميذه الذين يعدون النجوم الزاهرات في سماء أمة الإسلام 0 إن أهم الثِّمَار التي تُجْنَى من جهد أولئك العلماء الجهابذة: تخريج التلاميذ والطلاب الذين يحملون راية الخير والهداية لمن بعدهم، امتداداً لجهود شيوخهم ونشاطهم، وحلقةً في سلسلة متصلة متماسكة لا تنقطع.
وكلما تبوَّأ هؤلاء الطلاب مكانتهم بين أهل العلم العاملين، وأئمته البارزين، وجهابذته المشهورين، كان ذلك تعبيراً حقيقياً عن مكانَةِ شيوخهم الذين خَرَّجُوهم، وعلمِهِم، وفَضْلِهِم؛ فالطالب النابغ إنما هو - بعد فضل الله وتوفيقه - ثمرة يانعة من ثمار جهد الأستاذ وعطائه المتواصل، ولعلَّ في قول الحافظ ابن حجر المتقدم في حق ابن القَيِّم وشيخه ابن تَيْمِيَّة، حين قال: "ولو لم يكن للشيخ تقي الدين من المناقب إلا تلميذه الشهير: الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية … لكان غايةً في الدلالة على عظم منزلته"1.
.
لعلَّ في هذه الكلمة من ابن حجر - رحمه الله - ما يؤكد لنا هذه الحقيقة الظاهرة؛ إذ جعل الطالب النابغ، العالم، الفاضل منقبة من مناقب شيخه، وحسنةً من حسناته.
ولقد أَثْمَرَ جُهْدُ ابن القَيِّم - رحمه الله - ونشاطُهُ المتواصل، ودعوتُهُ الصادقة، ومجالسُ درسه وتعليمه، أثمر ذلك كله جملة من خيرة طُلاَّبِ العلم، الذين انتفعوا بابن القَيِّم - كما انتفعوا بغيره - فكانوا مشاعلَ نورٍ، وعلماءَ صدقٍ، وذاع صِيتهُم، وارتفع شأنهم، وبقيت آثارهم بيننا خير دليل على مكانتهم العلمية، وجِدِّهم واجتهادهم، وذلك مثلماً بقيت بيننا آثار شيخهم وأستاذهم ابن القَيِّم رحمه الله.
ويشير الحافظ ابن رجب - رحمه الله - إلى أخذ الكثيرين من الفضلاء العلم عن ابن القَيِّم، وتتلمذهم على يديه، وانتفاعهم به فيقول: "وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه، وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاءُ يعظمونه ويتتلمذون له..."
ومن كبار تلاميذ شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله أيضا :الحافظ ابن كثير: إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضَوْء بن كثير، القرشيُّ، البُصْرَويّ، الدمشقيُّ، عماد الدين، أبو الفداء، الإمام، الْمُحَدِّث، المُفَسِّر، الحافظ، البارع.
مولده: سنة (701هـ).
تَفَقَّه بالشيخ برهان الدين الفَزَاري وغيره، وسمع من ابن عساكر وخلق، ثم صَاهَر الحافظ الْمِزِّي، وَلَزِمَه، وتَخَرَّجَ به، وأقبلَ على حفظ المتون، ومعرفةِ الأسانيدِ والعللِ والرجال، والتاريخ، فَبَرَعَ في ذلك كله، وَأَفْتَى وَدَرَّسَ ونَاظَر.
وله التصانيف المشهورة النافعة السائرة، التي منها: (البداية والنهاية)، و(التفسير) وغير ذلك.
وكانت له خصوصية بابن تَيْمِيَّة ومناضلة عنه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، حتى إنه امتحن بسبب ذلك.
توفي - رحمه الله - في شعبان سنة(774هـ).
قال الحافظ ابن كثير في ترجمته لابن القَيِّم: "وكنت من أصحب الناس له، وأحبِّ الناس إليه". ونصَّ الشيخ بكر أبو زيد على أنه من تلاميذ ابن القَيِّم
كما قال ابن رجب، فهو كثير التعظيم له والثناء عليه في كل مناسبة، كما أن ابن كثير عاش بعد ابن القَيِّم - رحمهما الله - أكثر من عشرين سنة.
وأما تلميذ أبن تيمية الآخر هو الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الأصل الفارقي ثم الدمشقي شمس الدين الذهبي
ولد الإمام الذهبي في اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الآخر سنة (673)هـ-و الإمام الذهبي يعتبر مؤرخ الإسلام وقد لقب بذلك كما أنه أحد أعلام الحفاظ الذين برزوا في علم الحديث رواية ودراية فلا عجب أن يكون محل ثناء الخاص والعام ولا غرو أن تنطلق الألسنة بذكره بالجميل وقد أتى بالجميل الجليل .. وقد قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية:"الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين وقال: وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه" آثاره:وقد خلف الحافظ الذهبي للأمة الإسلامية ثروة هائلة من المصنفات القيمة النفيسة التي هي المرجع في بابها وعظمت الفائدة بهذه المؤلفات ونالت حظاً كبيراً من الثناء وكان لها القبول التام لدى الخاص والعام.
قال الشوكاني في وصفها: وجميع مصنفاته مقبولة مرغوب فيها رحل الناس لأجلها وأخذوها عنه وتداولوها وقرأوها وكتبوها في حياته.. وطارت وقرأوها في جميع بقاع الأرض وله فيها تعبيرات رائعة وألفاظ رشيقة غالباً لم يسلك مسلكه فيها أهل عصره ولا من قبله ولا قبلهم ولا أحد بعدهم .. وبالجملة فالناس في التاريخ من أهل عصره فمن بعدهم عيال عليه ولم يجمع أحد في هذا الفن كجمعه ولا حرره كتحريره، قال الحافظ ابن حجر: ورغب الناس في تواليفه ورحلوا إليه بسببها وتداولوها قراءة ونسخاً وسماعاً.
وقال أبو المحاسن الحسيني: وصنف الكتب المفيدة فمن أطولها تاريخ الإسلام ومن أحسنها ميزان الاعتدال في نقد الرجال .. وقال: مصنفاته ومختصراته وتخريجاته تقارب المائة وقد سار بجملة منها الركبان في أقطار البلدان انتهى.
ومن أشهر مؤلفاته المطبوعة:
كتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) وكتاب (المشتبه في الأسماء والأنساب) وكتاب (العبر في خبر من غبر) وكتاب (تذكرة الحفاظ) وكتاب (طبقات القراء).توفي الحافظ الذهبي ليلة الاثنين ثالث شهر ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ..
،و من تلاميذه ( أي أبن تيمية )البارزين والمبرزين:
-
الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي (ت 744).
-
والحافظ أبوالحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي المتوفى (742).4
-
وأبوالفتح ابن سيد الناس محمد بن محمد اليعمري المصري (ت734).
-
والحافظ علم الدين القاسم بن محمد البرزالي (ت739).
وأخيرا نختم بتلميذه وتلميذ أبن القيم ايضا ابن رجب : هو الإمام الحافظ المحدث الفقيه الواعظ زين الدين عبد الرحمن بن أحمد ابن رجب بن الحسن بن محمد بن مسعود السلامي البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي
ولد في بغداد في ربيع الأول سنة ست وثلاثين وسبعمائة وسمع من أبي الفتح الميدومي وعدة وأكثر الاشتغال حتى مهر وصنف شرح الترمذي وشرح علل الترمذي وشرح قطعة من البخاري وطبقات الحنابلة مات في رجب سنة خمس وتسعين وسبعمائة .
جاء في ترجمة الامام ابن رجب فى ذيل طبقات الحفاظ :ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن عبد الرحمن بن الحسن بن محمد ابن أبي البركات مسعود البغدادي ثم الدمشقي الحنبلي الإمام الحافظ الحجة والفقيه العمدة أحد العلماء الزهاد والأئمة العباد مفيد المحدثين واعظ المسلمين شهاب الدين أبو العباس أو أبو الفرج سمع خلقا منهم بو الحرم محمد بن محمد بن محمد القلانسي ومحمد بن إسماعيل الخباز وإبراهيم ابن داود العطار وأبو الفتح محمد بن إبراهيم الميدومي وجماعة حدث فروى عنه جماعة له المؤلفات السديدة والمصنفات المفيدة منها شرح على صحيح البخاري لم يكمل وصل فيه إلى كتاب الجنائز وعلى الجامع للحافظ أبي عيسى الترمذي وذيل على كتاب طبقات الفقهاء الحنابلة للقاضي أبي الحسين محمد بن الفراء كان رحمه الله تعالى إماما ورعا زاهدا مالت القلوب بالمحبة إليه وأجمعت الفرق عليه كانت مجالس تذكيره الناس عامة نافعة وللقلوب صادعة مات رحمه الله تعالى في شهر رجب أو شهر رمضان سنة خمس وتسعين0
كانت هذه هي أيها الأخوة الكوكبة اللامعة من علماء الأمة تلاميذ شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله 0 تقبلوا محبتي ومودتي لكم أسال الله أن يتقبل مني ومنكم خالص الأعمال ودمتم في عافية
أبن تيمية وقضايا السياسة الشرعية

ينظر كثير من رجال السياسة الشرعية في مسائل الحكم والسلطان والإدارة والإقتصاد وغيرها من مسائل السياسة الشرعية إلى أقوال وإجتهادات هذا العالم الكبير الذي لا يستغنى عن علمه وأبحاثه أحدا من المسلمين في مختلف العصور التي تلت عصر ابن تيمية إلى يومنا هذا ، لهذا ترى من المختصين اليوم من ينقل أقواله ومذهبه في هذه المسألة وغيرها حتى عرف عنه " النظرية السياسية عند أبن تيمية " أو القول الفكر السياسي عند أبن تيمية وغيرها من الأطروحات التي بحث فيها المعاصرون أو المتأخرون عن عصره واشتهرت بهذا أقواله وآرئه بين المختصين بالسياسة والحكم والفلسفة وغيرها من العلوم الفقهية في السياسة الشرعية 0
يقول صاحب كتاب "الفكر االسياسي عند أبن تيمية ": الدكتور بسام عطية إسماعيل فرج في مقدمة كتابه :
(
لإبن تيمية حضوراً ملموساً في الأوساط العلمية، ولآرائه رواجاً كبيراً بين أفراد الجماعات الإسلامية، وطلاب العلم، وهناك مدارس كالسلفية، والإخوان المسلمين متأثرة بفكره ، ولقد أوليت آراؤه اهتماماً كبيراً، فقدمت فيها كثير من الرسائل العلمية، في المنطق ، وأصول الفقه، والعقيدة، والأخلاق، والفقه ، وتحقيقاً لبعض أعماله العلمية وغيرها. وقد وجدت لابن تيمية اهتماماً كبيراً بالأمور السياسية، فقد ألفَ في الموضوع كتباً مستقلة، كبيرة وصغيرة، وتعرض لها مراراً في ثنايا كتبه العديدة ، هذا بالإضافة إلى أني وجدت له ممارسات ومشاركات سياسية عديدة تستحق الدراسة ، وفوق هذا كله التشابه الزمني الكبير بين زمان ابن تيمية وزماننا ، بل وتشابه القضايا المطروحة على المسرح السياسي مثل : القوانين الوضعية – الياسق في زمانه - ، والمشاركة من قبل المسلمين في حكم ينطلق في تصوراته بعيداً عن روح الإسلام ومنهجه في الحكم. والتي بحاجة لتقديم حلول إسلامية لها. أسهم ابن تيمية في بيان الحلول التي رأى أنها مناسبة لزمانه، فهي بالتالي تستحق الدراسة والإفادةمنها. ) وهذا فقط مثال ونموذج لإهتمام المعاصرين بفكر أبن تيمية في السياسة رحمه الله والعديد من الباحثين العرب وغيرهم قد عبروا عن هذا الإهتمام بهذا العالم الرباني الفريد من نوعه في عصور المسلمين 0
فعند أبن تيمية رحمه الله كما في مصنفه السياسة الشرعية : في قوله تعالى :
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا }{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } (سورة النساء : الآيتان 58 ، 59)
. [COLOR="DarkRed"]قال العلماء : نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ؛ عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ؛ إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإذا أمروا بمعصية الله فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله ، قال تعالى : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، (سورة المائدة : من الآية 2) . وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل : فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية الصالحة
]تقبلوا تحيات أخيكم في الله غفر الله له وسامحه والمسلمون0
القاضي الشيخ بن عبيد الله السقاف وعلي حبشي وأبن تيمية
للشيخ بن عبيد الله السقاف القاضي والمفتي والعلامة نقولات وإستشهادات متعددة يجدها الباحث في كتبه خاصة (بضائع التابوت وإدام القوت ) وغيرها من مؤلفاته التي يبين فيها رحمه الله نقده و تجريحه لطائفة الصوفية القبورية كما يسميهم "القبوريين " وأصحاب الغلو وغيرها من العبارات التي تدل على إختلافه مع هذه الطرق المبتدعة في التصوف التي كانت تعيشها حضرموت حتى في عصره حيث كان معاصراً لصاحب الزيارة والقبة والمقام المرموق في حضرموت "علي حبشي " قال أبن عبيد الله السقاف في إدام القوت : (كان أبوه كما سبق في قيدون داعياً إلى الله يتنقل في البلدان لإرشاد أهلها بإشارة الحبيب عبد الله بن حسين بن طاهر لا يخرج عن أمره في شيء قط فولد له السيد علي في قسم و انتقلت به أمه إلى سيوون وبها نشاء وله رحلة إلى الحجاز وتخصص في علم النحو وله شعر جيد و اكثر أوله على لسان الصوفية وله تأليف صغير في قصة المولد وله أشعار حميمة وقد طبع جميع ذلك وفيه الدلالة على مرتبته العلمية والشعرية ما يغني عن كل شيء :
إن آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار 0000
ثم قال :و
(
لكن أصحابه يرفعونه إلى مرتقى لا تصل إليه معارج الآثار ويفتنون في نشر الصيت له بكل ما تبلغ قواتهم مع غلبه السذاجة التي يصدق بها الحال إذ ذاك ولكن الشهرة لا تصح أن تكون ميزاناً لفضل الحق لأنها بضاعة معروضة في الأسواق وكثيرا ما يوصف المرء بغير أو بأكثر مما هو فيه ويعطى من النعت والاسم ما لا يستحقه و إنما محك الرجال الأعمال ومفاتيح أخبارهم النقد والاختبار ولطائفة الشيخ محمد بن سعيد باطويح غلو شديد في مدحه وتدارس الثناء عليه وتفضيله على جميع الأولياء والعلماء والحظ من سائرهم لحصر فضيلة التفرد عليه بدون مبرر ) وأعقب هذا الحديث نقله كلام لأحد كبار الصوفية ثم التعليق عليه وإستشهاده بقول أبن تيمية رحمه الله الذي يتضح أن كتبه وأخباره منتشرة في حضرموت في ذلك الوقت خاصة بين بعض الفقهاء والعلماء من الحضارمة قال أبن عبيد الله السقاف رحمه الله :
(
وكأنما يتوكأون في هذه الترهات على مثل قوله في وصية كتبها السيد عمر بن حامد السقاف اعلم أن الأصل المحكم أساه الفناء في الشيخ بان تشهده في المرتبة التي ليس فوقها إلا درجة النبوة وان لا تشهد له بشرية بل تراه عين الكمال في جميع أطواره وافهم السر في قوله ( ص ) لو اعتقد احكم في حجر .أهـ. فهذه هي فيما أخال بذرة بدعتهم وخميرة غلوهم مع أن العلامة ابن تيميه والحافظ ابن حجر يقولان أن ذلك الحدث كذب لا اصل له بل قال العلامة ابن القيم انه من كلام عباد الأصنام وقد بسطت ذلك في الأصل ) وهذا الكلام السالف الذكر للسيد عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف رحمه الله 0
وسأكتفي بهذا المثال والنموذج الواضح 0

لامية أبن تيمية

اليوم أيها الأخوة الأعزاء في سقيفة الشبامي المبجلة الصرح الثقافي الحضرمي الأصيل موعدنا إن شاء الله تعالى مع "لامية شيخ الإسلام أبن تيمية " المشهورة والمعروفة عند طلاب العلم الذين حفظوها وأفردت لشرحها المجلدات الكبار ، لكثير من أهل العلم في الماضي والحاضر أضف إلى ذلك مئات الأشرطة بصوت كبار المشائخ وطلاب العلم في المشرق والمغرب0
والامية هي القصيدة الشعرية ذات غرض من الأغراض التي قد ينتهي شطر بيتها الثاني بحرف اللام أو النون كما في قصيدة النونية لأبن القيم رحمه الله تلميذ أبن تيمية ، ومن ذلك ماعرف بلامية أبي طالب ولامية في قوله :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال لليتامى عصمة للأرامل0
أو لامية لأمية بن أبي الصلت التي اشتهرت في الشعر العربي ولامية العرب ولامية العجم وغيرها من القصائد اللامية ذات اغراض شعرية معينة لسنا بصدد الحديث عن ذلك بقدرما كان حديثنا هو عن لامية أبن تيمية 0
لماذا جاء هذا الإهتمام بهذا المتن أو هذا السفر الكريم الذي نظمه شيخ الإسلام لدى طلاب العلم الشرعي ؟
أن الجواب المتبادر للذهن لكونه يتحدث عن عقيدة أهل السنة والجماعة ، عقيدة الفرقة الناجية ، عقيدة الأسماء والصفات هذا هو السبب لاغير
لذا قدمت له الشروح الكثيرة التي تعين المسلم على فهم العقيدة الصحيحة الصافية عقيدة السلف رضي الله عنهم 0
قال شيخ الإسلام: " دين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة نبيه وما اتفقت عليه الأمة فهذه الثلاثة هي أصول معصومة وما تنازعت فيه الأمة ردوه إلى الله والرسول. وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصا يدعو إلى طريقته ويوالي ويعادي عليها؛ غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلاما يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصا أو كلاما يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون. " أهـ. من مجموع الفتاوى (20/164
وأليك الآن اللامية التي نظمها أبن تيمية رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة 0
ا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ وَفَضْلٌ سـاطِعٌ لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
وأُقِـرُّ بِالقُرآنِ ما جاءَتْ بِـهً آياتُـهُ فَهُوَ القَديـمُ المُنْـزَلُ
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُقْبَتَـهـا إلى نُقَّالِهـا وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ الكِّتابَ وراءَهُ وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـاً ربَّهُمْ وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رَيّاً أَنْهَـلُ
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ فَمُوَحِّدٌ نَـاجٍ وآخَـرَ مُهْمِـلُ
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُلُ
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـاك وَيُسْـأَلُ
هذا اعتقـادُ الشافِعيِّ ومالكٍ وأبي حنيفـةَ ثم أحـمدَ يَنْقِـلُ
فإِنِ اتَّبَعْتَ سبيلَهُمْ فَمُوَحِّـدٌ وإنِ ابْتَدَعْتَ فَما عَلَيْكَ مُعَـوَّلًًًً
أبن تيمية /الهجر الجميل والصفح الجميل والصبر الجميل
أقسام الناس في التقوى والصبر

بسم الله الرحمن الرحيم
سئل الشيخ الإمام، العالم العامل، الحبر الكامل، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام، تقي الدين بن تيمية أيده الله وزاده من فضله العظيم، عن الصبر الجميل والصفح الجميل، والهجر الجميل، وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس؟ فأجاب رحمه الله: الحمد لله، أما بعد فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل، فالهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل صبر بلا شكوى، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " مع قوله: " فصبر جميل، والله المستعان على ما تصفون " فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل.
ويروى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، اللهم إلى من تكلني؟ أإلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل علي غضبك، لك الغنى حتى ترضى " .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله " ويبكي حتى يسمع نشيجه من آخر الصفوف. بخلاف الشكوى إلى المخلوق.

هجر أهل البدع عند أهل السنة

اشتهر في كتب السنة والاعتقاد التحذير من مجالسة أهل البدع، بصورة لا تضاهيها أي صورة أخرى من صور تحذيرهم من أنواع التعامل مع أهل البدع.
ويستندون إلى مجموعة كبيرة من الأدلة الشرعية منها ماهو من كتاب الله تعالى :فقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [الأنعام:68].

عن أبي عون قال: " كان محمد (يعني ابن سيرين) يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهواء، وكان يرى أن هذه الآية أنزلت فيهم ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ)) {أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى (2/431). }
وقد ذكر الله تعالى بما حذر منه هنا من مجالسة هؤلاء في سورة النساء فقال: ((وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)).
نقل البغوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في تفسير هذه الآية: " دخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة " {
تفسير البغوي (1/491). }
ويستدلون من السنة أيضا ما دل على مشروعية ترك مجالسة أهل البدع، ووجوب هجرهم، عدة أحاديث، منها قصة كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم وهو حديث طويل رواه الشيخان عن كعب ذكر فيه قصة تخلفه عن الرسول r في غزوة تبوك وهجر النبي صلى الله عليه وسلم له ولصاحبيه وفيه:
"
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف، فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت في نفسي الأرض، فما هي التي أعرف فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يُكَلّمُني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسَّورْتُ جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي وأحب الناس إليّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد السلام، فقلت يا أبا قتادة: أنشدك بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت، فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم ففاضت عيناي .. "
{
رواه البخاري في (كتاب المغازي – باب حديث كعب بن مالك) فتح الباري (8/114-115) ح:4118، ومسلم كتاب التوبة – باب حديث توبة كعب وصاحبيه) (4/2124-2125) ح:2769. }
وأما آثار السلف كثيرة جدا يستدلون بها أيضاً على هجر أهل البدع والأهواء وعدم مجالستهم والسماع لهم ومخالطتهم والأدلة كثيرة عن السلف منها :
ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ضربه لصبيغ العراقي وكتابته لأهل البصرة أن لا يجالسوه
أنظر الإبانة الكبرى (2/414).
-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلب " خرجه الآجري ي الشريعة ص61، وابن بطة في الإبانة الكبرى (2/438).
-
ومن ذلك هجر أبي بكر الصديق رضي الله عنه لِمسْطَح بن أُثاثة لكلامه في حادثة الإفك، وترك النفقة عليه حتى نزلت الآية ((وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [النور:22] فترك أبو بكر هجره وأعاد عليه النفقة وقال: " بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي "
خرجه البخاري ضمن ذكر حادثة الإفك (كتاب التفسير – باب لولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا...) فتح الباري (8/455) ح:4750، ومسلم (كتاب التوبة – باب حديث الإفك ...) (4/2136) ح:2770.
-
ومن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه أن قريباً لعبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه خذف فنهاه، وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف، فأعاد فقال عبد الله: " أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ثم تخذف لا أكلمك أبداً "
صحيح مسلم (كتاب الصيد والذبائح – باب إباحة ما يستعان به على الاصطياد والعدو..) (3/1548).
والأمثلة لذلك من سيرة الصحابة كثيرة جدا لمن أراد أن يعرفها مبسوطة في كتب أهل العلم 0

ولاشك أن لهجر المبتدع ضوابط شرعية بينها أهل العلم في كتبهم منهم شيخ لإسلام أبن تيمية رحمه الله
وفي هذه المسألة لابد من بيان الضوابط الشرعية لهجر المبتدع، ومتى يكون مشروعاً أو غير مشروع.
وبيان ذلك أن هجر المبتدع لا يكون مشروعاً إلا لمقصدين إما لتأديب المبتدع وزجر مثله عن فعله، وإما لخشية حصول الضرر والفتنة بمجالسته.
قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 5/ 408 :(0000فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر فأما من كان مستترا بمعصية أو مسرا لبدعة غير مكفرة فإن هذا لا يهجر وإنما يهجر الداعي إلى البدعة ؛ إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولا أو عملا . وأما من أظهر لنا خيرا فإنا نقبل علانيته ونكل سريرته إلى الله تعالى فإن غايته أن يكون بمنزلة المنافقين الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون . ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة : كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع .)
وقال أيضاً :( ومن كان مبتدعا ظاهر البدعة وجب الإنكار عليه ومن الإنكار المشروع أن يهجر حتى يتوب ومن الهجر امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينزجر من يتشبه بطريقته ويدعو إليه وقد أمر بمثل هذا مالك بن أنس وأحمد بن حنبل وغيرهما من الأئمة والله أعلم .)
أبن تيمية والعلماء الربانيون
يقول الله تعالى في سورة المائدة "وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63) "
يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين في شرحه للأصول الستة عن العلماء الربانيون (فلابد من معرفة من هم العلماء حقاً ، هم الربانيون الذين يربون الناس على شريعة ربهم حتى يتميز هؤلاء الربانيون عمن تشبه بهم وليس منهم ، يتشبه بهم في المظهر والمنظر والمقال والفعال، لكنه ليس منهم في النصيحة للخلق وإرادة الحق ، فخيار ما عنده أن يلبس الحق بالباطل ويصوغه بعبارات مزخرفة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، بل هو البدع والضلالات الذي يظنه بعض الناس هو العلم والفقه وأن ما سواه لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون. ) ويقول الشيخ العثيمين ايضا في الفتاوى عند تقسيمه للعلماء
و : (وأئمة المسلمين صنفان من الناس:
الأول: العلماء، والمراد بهم العلماء الربانيون الذين ورثوا النبي صلى الله عليه وسلم علماً وعبادة وأخلاقاً ودعوة، وهؤلاء هم أولو الأمر حقيقة، لأن هؤلاء يباشرون العامة، ويباشرون الأمراء، ويبينون دين الله ويدعون إليه
الصنف الثاني: من أئمة المسلمين: الأمراء المنفذون لشريعة الله، 0000 )
ولهذا فالعالم الرباني عالم بمنزلة قيل كونه رباني منسوب للرب سبحانه وتعالى فقد يذم وقد يمدح كمثل العالم الذي في دعوته يدعو للبدعة وغيره يدعو للسنةوقيل سمي رباني لتربيته للناس وهذه منزلة عظيمة ذهب إلى هذا شييخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله قال في مجموع الفتاوى 1/8: قال (
وإنما المناسب ذكرهم في مثل قوله : { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } الآية . وفي قوله : { ولكن كونوا ربانيين } فهناك ذكرهم به مناسب . السابع : قيل : إن الرباني منسوب إلى الرب فزيادة الألف والنون كاللحياني وقيل إلى تربيته الناس وقيل إلى ربان السفينة وهذا أصح فإن الأصل عدم الزيادة في النسبة لأنهم منسوبون إلى التربية وهذه تختص بهم وأما نسبتهم إلى الرب فلا اختصاص لهم بذلك بل كل عبد له فهو منسوب إليه إما نسبة عموم أو خصوص ولم يسم الله أولياءه المتقين ربانيين ولا سمى به رسله وأنبياءه فإن الرباني من يرب الناس كما يرب الرباني السفينة ولهذا كان الربانيون يذمون تارة ويمدحون أخرى ولو كانوا منسوبين إلى الرب لم يذموا قط وهذا هو الوجه الثامن : أنها إن جعلت مدحا فقد ذموا في مواضع وإن لم تكن مدحا لم يكن لهم خاصة يمتازون بها من جهة المدح وإذا كان منسوبا إلى رباني السفينة بطل قول من يجعل الرباني منسوبا إلى الرب فنسبة الربيين إلى الرب أولى بالبطلان . التاسع : أنه إذا قدر أنهم منسوبون إلى الرب : فلا تدل النسبة على أنهم علماء نعم تدل على إيمان وعبادة وتأله وهذا يعم جميع المؤمنين فكل من عبد الله وحده لا يشرك به شيئا فهو متأله عارف بالله والصحابة كلهم كذلك ولم يسموا ربانيين ولا ربيين وإنما جاء أن ابن الحنفية قال لما مات ابن عباس : اليوم مات رباني هذه الأمة وذلك لكونه يؤدبهم بما آتاه الله من العلم والخلفاء أفضل منهم ولم يسموا ربانيين وإن كانوا هم الربانيين وقال إبراهيم : كان علقمة من الربانيين ولهذا قال مجاهد : هم الذين يربون الناس بصغار العلم قبل كباره فهم أهل الأمر والنهي والإخبار يدخل فيه من أخبر بالعلم ورواه عن غيره وحدث به وإن لم يأمر أو ينه وذلك هو المنقول عن السلف في الرباني نقل عن علي قال : " هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها " وعن ابن عباس قال : " هم الفقهاء المعلمون " . قلت : أهل الأمر والنهي هم الفقهاء المعلمون . وقال قتادة وعطاء : هم الفقهاء العلماء الحكماء . قال ابن قتيبة : وأحدهم رباني وهم العلماء المعلمون . قال أبو عبيد : أحسب الكلمة عبرانية أو سريانية وذلك أن أبا عبيد زعم أن العرب لا تعرف الربانيين . قلت : اللفظة عربية منسوبة إلى ربان السفينة الذي ينزلها ويقوم لمصلحتها ولكن العرب في جاهليتهم لم يكن لهم ربانيون لأنهم لم يكونوا على شريعة منزلة من الله عز وجل .
وقال أيضا في المصدر نفسه :
{
لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت } فقول الإثم وسماع الكذب وأكل السحت أعمال متلازمة في العادة وللحكام منها خصوص فإن الحاكم إذا ارتشى سمع الشهادة المزورة والدعوى الفاجرة فصار سماعا للكذب أكالا للسحت قائلا للإثم . ولهذا خير نبيه صلى الله عليه وسلم بين الحكم بينهم وبين تركه ؛ لأنه ليس قصدهم قبول الحق وسماعه مطلقا ؛ بل يسمعون ما وافق أهواءهم وإن كان كذبا وكذلك العلماء الذين يتقولون الروايات المكذوبة .
أبن تيمية في مسألة أيهما أفضل أيام عشر ذي الحجة أم أيام العشر الأواخر من رمضان ؟

تهل علينا بعد أيام إن شاء الله تعالى أيام فضيلة أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء عن أبن عباس رضي الله عنهما مرفوعا :( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الايام العشر " قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " . رواه البخاري0
وعندما سئل شيخ الإسلام أبن تيمية عن عشر ذي الحجة والعشر الأواخر من رمضان . أيهما أفضل ؟
فأجاب رحمه الله كما في مجموع الفتاوى 6/ 100 قال : أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة . قال ابن القيم : وإذا تأمل الفاضل اللبيب هذا الجواب . وجده شافيا كافيا فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيها : يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية . وأما ليالي عشر رمضان فهي ليالي الإحياء التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحييها كلها وفيها ليلة خير من ألف شهر . فمن أجاب بغير هذا التفصيل لم يمكنه أن يدلي بحجة صحيحة .
ثم أنه أيضا سئل ا أيهما أفضل : يوم عرفة أو الجمعة أو الفطر أو النحر ؟
فأجاب : الحمد لله . أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء . وأفضل أيام العام هو يوم النحر . وقد قال بعضهم يوم عرفة والأول هو الصحيح ؛ لأن في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر } لأنه يوم الحج الأكبر في مذهب مالك والشافعي وأحمد كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { يوم النحر هو يوم الحج الأكبر } . وفيه من الأعمال ما لا يعمل في غيره : كالوقوف بمزدلفة ورمي جمرة العقبة وحدها والنحر والحلق وطواف الإفاضة فإن فعل هذه فيه أفضل بالسنة واتفاق العلماء والله أعلم .
فيا أخي المبارك إن التجار يعدون لمواسم التجارة رغبة في الربح الدنيوي وهذا موسم تجارة قادم يحل علينا مع الله تعالى فلا تدعه يفوتك فالعمل الصالح من صلاة مكتوبة تحافظ على أدائها في جماعة المسلمين في المساجد ومن ذكر الله والصيام بقدر ماتستطيع ومن بر وصلة للأرحام ومن صدقة ونسك وإحسان وعيادة المرضى وزيارة الجيران وغيرها من الفضائل التي تقربك من الله وترفع درجاتك
ماذا قال أبن تيمية :فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم { من زار قبري وجبت له شفاعتي } . و { من زار البيت ولم يزرني فقد جفاني } وهل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب أم لا ؟

كلنا يعلم الجهود التي تبذلها هيئات الدعوة والإرشاد وطلاب العلم في المملكة العربية السعودية لتعليم وإرشاد وتوجيه الحجاج والمعتمرين والزوار لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن من الملفت للنظر أن طوائف وجماعات من المسلمين هداهم الله لوحظ تشبثهم ببدع ومخالفات ما أنزل الله بها من سلطان يأتون إلى المدينة منهم من يتمسح بالجدران في المسجد النبوي ومنهم من يقبل الشباك والنوافذ والأبواب التي صنعت حديثا على جهل منهم بآداب الزيارة للمسجد النبوي والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبوبكر وعمر في الحجرة التي دفنوا فيها ، ولولا الله ثم المملكة العربية السعودية ومابها من علماء والدعوة إلى السنة النبوية والتوحيد لرأينا في المدينة الفواقر والقواصم من هولاء الزوار الشواذ الذين ألفوا الطواف والتمسح بالأضرحة و اتربة الموتى في بلدانهم ، وقد كان شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في زمانه ينصح أمة المسلمين من الوقوع في هذه البدع و الأخطاء عند زيارة المدينة ظناً منهم - أي الزوار - أنها ثابته وصحيحة وهي من المعلوم لم تثبت بحديث صحيح ولا أثر عن الصحابة رضي الله عنهم ولما سئل رحمه كما تقدم ذكره أجاب :
وأما قوله : { من زار قبري وجبت له شفاعتي } فهذا الحديث رواه الدارقطني فيما قيل بإسناد ضعيف ولهذا ذكره غير واحد من الموضوعات ولم يروه أحد من أهل الكتب المعتمد عليها من كتب الصحاح والسنن والمسانيد . وأما الحديث الآخر قوله : { من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني } فهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث ؛ بل هو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعناه مخالف للإجماع ؛ فإن جفاء الرسول صلى الله عليه وسلم من الكبائر ؛ بل هو كفر ونفاق ؛ بل يجب أن يكون أحب إلينا من أهلينا وأموالنا كما قال صلى الله عليه وسلم { والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين } . وأما " زيارته " فليست واجبة باتفاق المسلمين ؛ بل ليس فيها أمر في الكتاب ولا في السنة وإنما الأمر الموجود في الكتاب والسنة بالصلاة عليه والتسليم . فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . وأكثر ما اعتمده العلماء في " الزيارة " قوله في الحديث الذي رواه أبو داود : { ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام } . وقد كره مالك وغيره أن يقال : زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم . وقد كان الصحابة كابن عمر وأنس وغيرهما يسلمون عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه كما في الموطأ أن ابن عمر كان إذا دخل المسجد يقول : السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت . وشد الرحل إلى مسجده مشروع باتفاق المسلمين كما في الصحيحين عنه أنه قال : { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا } . وفي الصحيحين عنه أنه قال : { صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام } . فإذا أتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسلم عليه وعلى صاحبيه كما كان الصحابة يفعلون . وأما إذا كان قصده بالسفر زيارة قبر النبي دون الصلاة في مسجده فهذه المسألة فيها خلاف . فالذي عليه الأئمة وأكثر العلماء أن هذا غير مشروع ولا مأمور به ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى } ولهذا لم يذكر العلماء أن مثل هذا السفر إذا نذره يجب الوفاء به ؛ بخلاف السفر إلى المساجد الثلاثة لا للصلاة فيها والاعتكاف فقد ذكر العلماء وجوب ذلك في بعضها - في المسجد الحرام - وتنازعوا في المسجدين الآخرين . فالجمهور يوجبون الوفاء به في المسجدين الآخرين : كمالك والشافعي وأحمد ؛ لكون السفر إلى الفاضل لا يغني عن السفر إلى المفضول . وأبو حنيفة إنما يوجب السفر إلى المسجد الحرام ؛ بناء على أنه إنما يوجب بالنذر ما كان جنسه واجبا بالشرع والجمهور يوجبون الوفاء بكل ما هو طاعة ؛ لما في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } . بل قد صرح طائفة من العلماء كابن عقيل وغيره بأن المسافر لزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام وغيرها لا يقصر الصلاة في هذا السفر ؛ لأنه معصية لكونه معتقدا أنه طاعة وليس بطاعة والتقرب إلى الله عز وجل بما ليس بطاعة هو معصية ؛ ولأنه نهى عن ذلك والنهي يقتضي التحريم . ورخص بعض المتأخرين في السفر لزيارة القبور كما ذكر أبو حامد في " الإحياء " وأبو الحسن بن عبدوس وأبو محمد المقدسي وقد روى حديثا رواه الطبراني من حديث ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من جاءني زائرا لا تنزعه إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة } لكنه من حديث عبد الله بن عبد الله بن عمر العمري وهو مضعف . ولهذا لم يحتج بهذا الحديث أحد من السلف والأئمة . وبمثله لا يجوز إثبات حكم شرعي باتفاق علماء المسلمين والله أعلم .
ماذا قال أبن تيمية فيمن يدعو مستقبلا قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

ذكرت فيما تقدم ذكره أن الأحاديث التي جاءت في مايتعلق بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تثبت وهي موضوعة وذكرت قول الأئمة المشهورين عند المسلمين ،وقد لاحظ الكثير منا أي ممن تشرف بزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه وذهب يسلم عليه وعلى صاحبيه المدفونان إلى جواره لاشك أنه قد لاحظ تلك التصرفات الحمقاء من بعض المسلمين هداهم الله في المزاحمة على استلام الشباك والتمسح بجدران الروضة وأبواب المسجد وغيره على إصرار منهم وترصد بدفع السنن بالبدع وهذا نتائج التربية الدعوية التي تلقوها في بلدانهم من بعض المتعصبين البعيدين عن السنة في أدب الزيارة ونود أن نضيف هذه الفائدة العظيمة والدرس الجديد فيما قاله شيخ الإسلام في أمر عظيم حاصل في المدينة وهو الدعاء بإستقبال القبر أو الحجرة كما يفعل ويشاهد من البعض بل إذا منعوا خرجوا إلى الساحة المجاورة وأصروا على فعل ذلك قال أبن تيمية رحمه الله :( وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه ،مستقبلي الحجرة مستدبري القبلة عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد. وأبو حنيفة قال:يستقبل القبلة فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال :يجعلها عن يساره .واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلى إليها.وإذا قال في سلامه :السلام عليك يا رسول الله يا نبي الله يا خيرة الله من خلقه يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -ولا يدعو هناك مستقبل الحجرة فان هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك.ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده ،فإنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة : ولو لا ذلك لأبرز قبره ولكنه كره أن يتخذ مسجداً ) أخرجه البخاري /1330ومسلم /529)فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة وكانت وسائر الحجر خارج المسجد من قبليّه وشرقيّه000 ) أنظر كتاب " شرح كتاب مختصر منسك شيخ الإسلام ابن تيمية ص 29 "
طَعَنَ الْخَوَارِجُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ أَوَّلُهُمْ : يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّك لَمْ تَعْدِلْ 0000
المنهج الوسط الذي نادى به أبن تيمية
كلنا يعلم أن التطرف والغلو انحراف عن منهج أهل السنة والجماعة ،وقد أوضحت في ماتقدم من سابق ذكره في هذا المتصفح منهج أهل السنة من الاعتدال في الأقوال والأفعال بين الغلاة من فرق الخوارج والروافض والمتكلمة وبين المرجئة والمميعة لدين الله وحدوده ومحارمه
ولعل الكثير يعرف أن ما أصاب المسلمين في صدر الإسلام من فتن وسفك للدماء وتكفير وتفسيق وغيره قد أتى من جهة هذه الفرق والمناهج التي تسيطر عليها العصبية القبلية ذات الشحن الديني المعنوي والدين منها براء وفي عصرنا الراهن يتبين لنا أيضاً أن الشباب المخدوعين قليلي العلم يقعون في مصيدة هذه الأفكار الخوارجية ابتداء بماحدث من اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات رحمه الله وماتبعه من حوادث كثيرة من القتل للأرواح المستأمنة والمعاهدة التي دخلت بلاد المسلمين وتشويه وجه الإسلام وسماحته ، والعجيب أن هذا الفكر الخارجي يجد له طريق بين التجمعات القبلية والحزبية بمفهوم العصر ،لهذا تجد هولاء يشنعون على مراكز العلم ومساجد أهل السنة التي تعلم القرآن والحديث والعقيدة لطلابها سنين دون انقطاع حفظاً للمتون وشروحات وغيره وعبادة وزهد وإتباع للسنن 0
وهذا هو المهج الوسط الذي كان عليه السلف ودعا أليه أبن تيمية رحمه الله أنظر ماذا قال أبن تيمية عن الخوارج وقارن بين وضعهم في أزمان متقدمة من صدر الإسلام واليوم نفس الصنعة والمنشأ والظهور بين الجماعات القبلية والأحزاب الدينية المخالفة مناهجها لمنهج أهل السنة0
قال أبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 6/ 136 (وَبِمِثْلِ هَذَا طَعَنَ الْخَوَارِجُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهُ أَوَّلُهُمْ : يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ فَإِنَّك لَمْ تَعْدِلْ : قَالَ : إنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ : { وَيْحَك وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَعْدِلْ ، لَقَدْ خِبْت وَخَسِرْت إنْ لَمْ أَعْدِلْ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ : دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا .
فَقَالَ : إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِي هَذَا قَوْمٌ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَقِرَاءَتَهُ مَعَ قِرَاءَتِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ 000 ) وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي وقد روى قصة هذا الرجل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة وهو يقسم الغنائم والتبر وهو في حجر بلال000 وذكر قول هذا الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح 0
قال أبن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة 1/ 60 (فمن قرن بالرسالة رئاسة مطاعة أو سياسة حاكمة بحيث يجعل طاعتها كطاعة الرسالة ففيهم شبه من إتباع عبدالله بن أبي ومن اعترض على الكتاب والسنة بنوع تأويل من قياس أو ذوق أو عقل أو حال ففيه شبه من الخوارج أتباع ذي الخويصرة ومن نصب طاغوتا دون الله ورسوله يدعو ويحاكم إليه ففيه شبه من أتباع مسيلمة وقد يكون في هؤلاء من هو شر من أولئك كما كان فيهم من هو خير منهم أو مثلهم وهؤلاء كلهم قد أعقبهم هذا الصنيع نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقون ربهم 0000 )
فهولاءالغلاة قد أوقعوا في الإسلام والمسلمين حرجاً كبيراً وضيقاً يلقونه في بلدانهم وفي بلدان أخرى ماكان له أن يحدث 0
وقد حذر علماء أهل السنة مثل الشيخ بن باز والألباني وأبن عثيمين والوادعي رحمهم الله من منهج الخوارج ومن الغلو والتطرف وتكفير المسلمين 0
فالغلظة والفضاضة والنزوع إلى التعصب الأعمي بجميع صوره الحالية والتفلت عن العلماء الربانيون أهل الحديث ونصحهم ودعوتهم نتائجه وخيمة ومن أبرزها التطرف وقتل النفس التي حرم الله
وقد أخرجا البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جذبته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه فضحك ثم أمر له بعطاء)
يوم عظيم يعظمه الموحدون وتنكس فية رايات الشرك والبدع والكفر والإلحاد
يوم عرفة تتجلى فيه مظاهر التوحيد لله تعالى وحده وتعلو وجوه الموحدون لله الذل والخضوع والمسكنة والعبودية لله تعالى الذي أمرهم أن يقفو في هذا الصعيد الطاهر يوم التاسع من ذي الحجة بعد أن أتوا من كل فج عميق قال تعالى "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) من سورة الحج
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الحج عرفة ) رواه أبو داود ) ص 257 صحيح . أخرجه أبو داود ( 1949 ) وغيره من أهل السنن
فيعد الوقوف بعرفة ركنا من أركان الحج فمن لم يقف بعرفة فلا حج له0
ومن تجليات العبودية لله تعالى في هذا الموقف العظيم الدعاء في ذلك اليوم قال صلى الله عليه وسلم ( أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة و أفضل ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له .) قال الشيخ الألباني رحمه الله ( حسن ) انظر حديث رقم : 1102 في صحيح الجامع .
وفي صحيح مسلم " عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وأنه عز وجل ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ } وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا كان يوم عرفة إن الله ينزل إلى سماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق }
قال أبن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى وهو يرد على نفاة الصفات لله تعالى من الجهمية والمعطلة وغيرهم من الكفار والملاحدة قال (
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله ينزل إلى السماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة ويقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا } فوصف أنه يدنو عشية عرفة إلى السماء الدنيا ويباهي الملائكة بالحجيج فيقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ما أراد هؤلاء ؟ فإنه من المعلوم أن الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير عنه لكن ليس هذا الذي في قلوبهم هو الذي يدنو إلى السماء الدنيا ويباهي الملائكة بالحجيج . والجهمية ونحوهم من المعطلة : إنما يثبتون مخلوقا بلا خالق وأثرا بلا مؤثر ومفعولا بلا فاعل وهذا معروف من أصولهم وهذا من فروع أقوال الجهمية . وأيضا فيقال له : وصف نفسه بالنزول كوصفه في القرآن بأنه { خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش } وبأنه استوى إلى السماء وهي دخان وبأنه نادى موسى وناجاه في البقعة المباركة من الشجرة وبالمجيء والإتيان في قوله : { وجاء ربك والملك صفا صفا })
قال تعالى:{ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين }
وتتجلى مظاهر الإتباع لسنة المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه (حين قال خذوا عني مناسككم ) وهكذا اليوم تنكس أعلام البدع فلا حج لمن لم يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم فأنظر إلى وجوب الإتباع فقرية عرنة التي تصل واديها بعرفة ليست من الموقف فمن وقف بها لم يجزيه موقفه هذا قال ابن تيمية وهو يعرض لبعض البدع والمخالفات في الحج في المصدر السابق 6/ 140 (وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف والمبيت بمزدلفة فلا أصل له لا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة : لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد وإن كان قد ذكره طائفة من متأخري أصحابه . بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الاستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها . وعرفة كلها موقف ولا يقف ببطن عرنة وأما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة ويسمى جبل الرحمة ويقال له إلال على وزن هلال وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها : قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها . والطواف بها من الكبائر وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيء منها ولا الصلاة فيها . وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما كان غير البيت العتيق فهو من أعظم البدع المحرمة .)

أبن تيمية رحمه الله في رده على البكري
البكري رجل من الصوفية يعتقد في الاستغاثة بغير الله تعالى قال الشيخ عماد الدين بن كثير في تاريخه اسمه على بن يعقوب بن جبريل البكري الشافعي المصري توفي يوم الاثنين سابع ربيع الآخر ودفن بالقرافة وقد هم السلطان بقتله مرارا فتشفع فيه الأمراء وكان يقال له نور الدين أبا الحسن 0
الرجل هذا له رد على شيخ الإسلام بن تيمية في مسألة الاستغاثة بالمخلوقين أضحك فيها على نفسه العقلاء وشمت به فيها الأعداء0
وكان هذا الرجل - أي البكري - يعيش في مصر وله شيخ اسمه شمس الدين الجزري قد رد عليه فيما دخل فيه في هذا المسألة من التكفير و أعظم عليه في ذلك النكير و بين أن هذا الكلام الذي صدر منه لا يقوله أحد ممن يعرف بالعلم و الإيمان و إنما يقوله جاهل في غاية الجهل أو صبي مع الصبيان و أخذ شيخه يندب على مصر و ينوح إذ كان مثل هذا الكلام يظهر به فيها شخص و يبوح0
والشاهد من هذا أن سلوك هذا الرجل أغضب حتى شيخه عليه كما تقدم ذكره وأنظروا كيف أن هذا الرجل أي الصوفي ( البكري ) مما استدل به الحديث الذي يروي أن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة و جرى ما جرى استشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله يا آدم كيف عرفت محمدا ولم أخلقه بعد قال له لما نفخت في الروح رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق عليك فقال صدقت يا آدم إنه لأحب خلقي إلي وإذ سألتني به فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك وهو آخر الأنبياء من ذريتك
وهذا الحديث قال عنه أبن تيمية في رده المشهور على البكري :(يقال أولا هذا الحديث وأمثاله لا يحتج به في إثبات حكم شرعي لم يسبقه أحد من الأئمة إليه وإثبات عبادة لم يقلها أحد من الصحابة ولا التابعين وتابعيهم إلا من هو أجهل الناس بطرق الأحكام الشرعية وأضلهم في المسالك الدينية
فإن هذا الحديث لم ينقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد حسن ولا صحيح بل ولا ضعيف يستأنس به ويعتضد به وإنما نقل هذا وأمثاله كما تنقل الإسرائيليات 000 )
وقد أشتهر عن شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله ردوده الكثيرة على أهل الباطل ونقض عقائدهم و الرد على من خالف السنة والحديث ببيان تناقض حججهم 0و الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله 0
وكذلك اشتهر عنه الرد على الفلاسفة والرد على من انتحل مذهب السلف مع الجهل بمقالهم أو المخالفة لهم بزيادة أو نقصان ،الرد على النصارى واليهود وإبطال مذهبهم والرد على الرافضة والباطنية وغيرها من الردود العلمية صنفها رحمه الله في رسائل وكتب بلغت المجلدات الكثيرة 0

موقف ابن تيمية رحمه الله من التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته وبآثار الأولياء والصالحين
تعرض شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله لإنتقادات واسعة من أرباب التصوف في زمانه ولازال مستمراً حتى يومنا هذا مع أنه رحمه الله لا ينكر التصوف مطلقاً كما تقدم مناقشته في هذا المتصفح ولكنه كما قلنا سابقاً ينكر العقائد الدخيلة من الفلسفة للحلولية والأتحاد وما يخالف الكتاب والسنة وآثار السلف الصالح رضي الله عنهم ولا ينكر ابن تيمية أن الله يعطي لأوليائه من الكرامات كما أوضحنا من كتاب ( الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ) لكنه ينكر على من جعل الأولياء واسطة بين الرب وعباده وجعل لهم مالله من العبودية والخشية والخوف وغيره ولهذا كان موقفه من مسألة التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كقبره ومسجده ومازعم من آثار لاتصح نسبتها للرسول صلى الله عليه وسلم وبآثار الأولياء والصالحين التي يتمسح به طلباً للبركة وهذا كله أعتبره ابن تيمية من التبرك الممنوع المفضي للبدعة والشرك في العبادة 0
وقد وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 27 / 79 اتفاق العلماء على أن من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم، أو قبر غيره من الأنبياء والصالحين – الصحابة وأهل البيت وغيرهم – أنه لا يتمسح به ولا يقبله000
وبين رحمه الله حكم تقبيل الجمادات وقال : (ليس في الدنيا من الجمادات ما يشرع تقبيلها إلا الحجر الأسود، وقد ثبت في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) قلت : -أنظر المصدر السابق والحديث المتقدم متفق عليه - ولهذا فمن المنكرات ومن البدع مايفعله البعض في المسجد النبوي وفي الروضة الشريفة من تقبيل وتمسح وغير ذلك والصحيح هو مشروعية العبادة من صلاة وقراءة القرآن والدعاء وذكر الله في المسجد النبوي لما في ذلك من الأجر المضاعف وعلل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عدم مشروعية أداء العبادات عند القبر النبوي وقال : (لو كان للأعمال عند القبر فضيلة لفتح للمسلمين باب الحجرة، فلما منعوا من الوصول إلى القبر، وأمروا بالعبادة في المسجد: علم أن فضيلة العمل فيه لكونه في مسجده... ولم يأمر قط بأن يقصد بعمل صالح أن يفعل عند قبره صلى الله عليه وسلم) أنظر : ( المصدر السابق ص 226 - 227 )
وهكذا تبين لنا أن التمسح بالقبر أو تقبيله ، ونحو ذلك مما قد يعمل عند القبر الشريف تبركاً، كإلصاق البطن أو الظهر بجدار القبر ، أو التبرك برؤية القبر ، كل ذلك من البدع المذمومة عند أهل العلم . وإذا كان هذا غير مشروع مع قبر النبي صلى الله عليه وسلم فمن باب أولى المنع وعدم الجواز مع غيره مما يفعله الجهلة من التمسح بالقبور والإستغاثة بها والأتربة والصخور والجدران كما هو الحاصل في عدد من الأماكن في البلدان الإسلامية التي تقام فيها الزيارات الحولية وغير الحولية للاضرحة 0
وقد كان السلف رحمهم الله ينهون أشد النهي من مما يمكن أن يفضي إلى بدعة أو شرك في العبادة فالأصل في العبادة الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسوله صلوات ربي وسلامه عليه فينبغي للمسلم أن يكون على هذا الطريق ولا يغتر بكثرة المخالفين ومهما أختلقوه من الأعذار والحيل المكشوفة للتدليس على الناس لتزيين باطلهم أو كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله : (اتبع طرق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين)
القطبية في ميزان شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله
الحلقة (1 )
سيد قطب زعيم لفكر كثيرمن الجماعات المسلمة المعاصرة كجماعة الأخوان المسلمين وجماعة التكفير والهجرة التي نشأت في مصر وأغلب الجماعات والأحزاب الجهادية في عالمنا الإسلامي وقد تعرضت هذه الجماعات بسبب افكارها الشاذة عن منهج السلف الذي حمل لوائه كثيراً من علماء المسلمين كشيخ الإسلام أبن تيمية وأبن الأمير الصنعاني ومحمد بن علي الشوكاني ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم من علماء المسلمين المعاصرين للتضييق عليهم في بلدانهم فهجروها ومنهم من خرج تحت الأرض وتعرضت أيضاً كتابات سيد قطب رحمه الله للنقد من غير قليل من المحققين وعلماء المسلمين بينوا فيها غلطات سيد قطب في العقيدة وغيرها من التصورات الخاطئة التي كتبها وأستشرت في المجتمعات المسلمة ومن أهم هذه الأمور موقفه من التأدب مع بعض أنبياء الله كنبي الله موسى عليه السلام ومع بعض الصحابة رضي الله عنهم مثل خليفة رسول الله عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية ص 142 - 152 (ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما وصفهم الله به في قوله تعالى : ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم ) وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) . ويقولون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع من فضائلهم ومراتبهم ويفضلون من أنفق من قبل الفتح وهو صلح الحديبية وقاتل على من أنفق من بعد وقاتل ويقدمون المهاجرين على الأنصار ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بل لقد رضي الله عنهم ورضوا عنه وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم كالعشرة وثابت بن قيس بن شماس وغيرهم من الصحابة ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ويثلثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم كما دلت عليه الآثار وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما - بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل فقدم قوم عثمان وسكتوا وربعوا بعلي وقدم قوم عليا وقوم توقفوا لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي وإن كانت هذه المسألة - مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر ثم عثمان ثم علي ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء فهو أظلم من حمار أهله
ويحبون أهل بيت رسول الله ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم ( 1 ) غدير خم : ( أذكركم الله في أهل بيتي وقال أيضا للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال : ( والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي ) وقال : ( إن الله اصطفى بني إسماعيل واصطفى من بني إسماعيل كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصا خديجة رضي الله عنها أم أكثر أولاده أول من آمن به وعاضده على أمره وكان لها منه المنزلة العالية والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها التي قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام (
 
وللحديث بقية

القطبية في ميزان شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله
تتمة الحديث
كانت هذه أصول أهل السنة كما عرضها شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية وموقفهم من الخلاف الذي جرى بين الصحابة رضي الله عنهم وأنظر لما قاله سيد قطب في الخليفة عثمان رضي الله عنه حين طعن فيه وأسقط خلافته قال في كتابه العدالة الإجتماعية ص 206 الطبعة الخامسة ( ونحن نميل إلى اعتبار خلافة علي أمتداداً طبيعياً لخلافة الشيخين قبله ،وأن عهد عثمان كان فجوة بينهما )
وللحديث بقية

القطبية وتكفير المجتمعات الإسلامية
(2 )
هل كان المنهج السلفي الذي دعاء أليه أبن تيمية صمام أمان من التطرف والتكفير ؟
في البداية قبل نجيب على السؤال المعروض للنقاش في مباحث شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من المفيد أن نعرض بشيء من الاختصار عن جماعة المسلمين أو الجماعة الإسلامية كما سمت نفسها، أو جماعة التكفير والهجرة كما أطلق عليها إعلامياً، وهي الجماعة الغالية التي نهجت نهج الخوارج في التكفير بالمعصية، نشأت داخل السجون المصرية في بادئ الأمر، وبعد إطلاق سراح أفرادها، تبلورت أفكارها، وكثر أتباعها في صعيد مصر، وبين طلبة الجامعات خاصة تتحدث الكتابات التي دونت عنهم ومن أبرز مؤسيسها بعد سنة 1965م التي أعدم فيها سيد قطب مع جماعة من رفاقه في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الشيخ علي إسماعيل: كان إمام هذه الفئة من الشباب وهو أحد خريجي الأزهر، وشقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل أحد الستة الذين تم إعدامهم مع الأستاذ سيد قطب، وشكري أحمد مصطفى (أبو سعد) ،أحد شباب جماعة الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا عام 1965م لانتسابهم لجماعة الأخوان المسلمين تولى قيادة الجماعة داخل السجن وهو حاصل على بكالوريوس في الزراعة 0
ومن ابرز أفكارهم التي اشتهروا بها التكفير وهو عنصر أساسي في أفكار ومعتقدات هذه الجماعة.
فهم يكفرون كل من أرتكب كبيرة وأصر عليها ولم يتب منها، وكذلك يكفرون الحكام ويكفرون المحكومين لأنهم رضوا بذلك ويكفرون العلماء ويكفرون كل من عرضوا عليه فكرهم فلم يقبله أو قبله ولم ينضم إلى جماعتهم ويبايع إمامهم. أما من انضم إلى جماعتهم ثم تركها فهو مرتد حلال الدم 0
يقول الشيخ ربيع بن هادي المدخلي في كتابه أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره ص71 تحت (عنوان سيد قطب وتكفير المجتمعات الإسلامية ) يقول - سيد قطب - في كتابه "معالم في الطريق " (وأخيراً يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة وهذه المجتمعات لاتدخل في هذا الإطار لأنها تعتقد بألوهية أحد غير الله ولأنها تقدم الشعائر التعبدية لغير الله ،ولكنها تدخل في هذا الإطار لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده ؛فهي وإن لم تعتقد بألوهية أحد إلا الله تعطي أخص خصائص الإلوهية لغير الله فتدين بحاكمية غير الله فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها 000 وكل مقومات حياتها تقريبا والله سبحانه يقول "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "المائدة ) (44)
ثم ينتقل بعد هذا للمحكومين أنظر إلى فساد هذه الأفكار و بعدها عن منهج السلف رحمهم الله وأنظر لما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق حديثه عن الحكم بغير ما أنزل الله وهذا هو الشاهد من أن الإلتزام بمنهج السلف الذي يدعو له الدعاة اليوم من المشائخ المشهورين كالشيخ الألباني وبن باز وبن عثيمين والوادعي وآل الشيخ والفوزان والمدخلي وغيرهم ممن على هذا الطريق فيه أمان من الله تعالى لهم لأنه منهج الحق البعيد الواضح لا لبس فيه وهو بعيد عن منهج الغلو والتطرف الذي وقع في هذا الخوارج من قبل ومن شابههم في زماننا اليوم :قال أبن تيمية في منهاج السنة 3/ 32 قال تعالى "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ "المائدة ) (44)
(ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر فإنه من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى كسوالف البادية وكأوامر المطاعين فيهم ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة وهذا هو الكفر فإن كثيرا من الناس أسلموا ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار وإلا كانوا جهالا كمن تقدم أمرهم
وقد أمر الله المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وذلك خير ؤأحسن تأويلا سورة النساء 59
وقال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما سورة النساء فمن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا لكن عصى واتبع هواه فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة ،وهذه الآية مما يحتج بها الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا وما ذكرته يدل عليه سياق الآية ،والمقصود أن الحكم بالعدل واجب مطلقا في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الإعتقادية والعملية )


لماذا القطبية من فرق الابتداع ؟
مرة أخرى نعود أيها الأخوة الأعزاء لنواصل الحديث في مباحث شيخ الإسلام أبن تيمية ونرحب بمناقشة الموضوع وطرح كل من له رأي دون سفاسف الأمور التي لا فائدة فيها 0
أيها الأعزاء أن الاعتصام بالسنة هو أساس الاجتماع وإحداث البدع هو أساس الفرقة بين المسلمين في الماضي والحاضر ولاشك أننا قدمنا عدد كبير من الفرق المخالفة لأهل السنة وأتبعتها بهذه الفرقة التي شقت صفوف الدعوة إلى التوحيد في مناطق مختلفة من عالمنا الإسلامي وقد أحسن الظن بهم ولاة الأمور والعلماء في المملكة العربية السعودية وآووهم من التشرد والضياع والخوف من المطاردة في بعض بلدانهم فدخل البعض إلى بلاد الحرمين بلاد التوحيد ثم مالبثوا أن أفسدوا شباب هذا البلد أو البعض منهم واستبدلوا دعوة التوحيد بدعوة الحزبية القطبية على ما فيها من مخالفات كبيرة في العقيدة يمكن الرجوع إلى أقوال أهل العلم في ماتكلموا فيه للاستزادة والمهم فأنهم مخالفون لأهل السنة وعلى هذا فهم من فرق البدع في الدين كجماعات في العموم لأنهم من أهل الفرقة فأنظر معي لكلام شيخ الإسلام أبن تيمية قال :
رحمه الله في [ الاستقامة ص42]:" والبدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة فيقال أهل السنة والجماعة كما يقال أهل البدعة والفرقة "
قال تعالى:"وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّانَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ"
وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى(10/20):"(‏ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )‏ فهذا نص في أنهم تركوا بعض ما أمروا به فكان تركه سببا لوقوع العداوة والبغضاء المحرمين وكان هذا دليلاً على أن ترك الواجب يكون سببا لفعل المحرم كالعداوة والبغضاء والسبب أقوى من المسبب.أهـ
أقول : فترك إنكار البدع ، فهذا هو الذي يحدث الفرقة في الأمة بنص الآية ، فإن البدع من عموم المنكرات التي يجب إنكارها ، بل هي من أعظم المنكرات ، وشرح قبحها في الشرع يطول ولا يخفى على عامة القراء إن شاء الله.
ويكفي من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا" رواه مسلم [1435]
قال العلامة عبدا للطيف آل الشيخ في كتابه النفيس [ إتمام المنة والنعمة في ذم اختلاف الأمة ص 56] :
ثم اعلم أن المحققين منعوا من قول : لا إنكار في مسائل الاجتهاد.
وأوردوا عن الصحابة فمن بعدهم ، من الأئمة وعلماء الأمة ، من الإنكار في مسائل الاجتهاد ما لا يمكن حصره .
قال شيخ الإسلام ، أبو العباس - رحمه الله- : قولهم : مسائل الاجتهاد لا إنكار فيها . ليس بصحيح ، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم ، أو العمل .
أما الأول : فإذا كان القول يخالف سنةً أو إجماعاً قديماً ، وجب إنكاره وفاقاً .
وإن لم يكن كذلك ، فإنه ينكر . بمعنى: بيان ضعفه عند من يقول : المصيب واحد . وهم عامة السلف والفقهاء .
وأما العمل إذا كان خلاف سنةٍ أو إجماع ، وجب إنكاره أيضاً : بحسب درجات الإنكار ، وكما ينقض حكم الحاكم إذا خالف السنة .
وأما إذا لم يكن في المسألة سنةٌ ولا إجماع ، وللاجتهاد فيها مساغ . فلا ينكر على من عمل بها مجتهداً أو مقلداً . انتهى الفتاوى (19/ 122)
وقال في الفروع : وفي كلام الإمام أحمد وبعض الأصحاب ما يدل على أنه إن ضعف الخلاف أنكر فيها ، وإلا فلا وللشافعية أيضاً خلاف ، ولهم وجهان في الإنكار على من كشف عن فخذيه .
وقال ابن هبيرة في قول حذيفة ، وقد رأى رجلاً لا يتم ركوعه ولا سجوده : ما صليت ، ولو مت على هذا مت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمداً صلى الله عليه وسلم ، : فيه أن إنكار المنكر في مثل هذا ، يغلظ له لفظ الإنكار.
انتهى كلام الشيخ عبد الطيف .
وقال الشاطبي في الاعتصام (2/164) :" فاعلموا رحمكم الله أن الآيات الدالة على ذم البدعة وكثيرا من الأحاديث أشعرت بوصف لأهل البدعة وهو الفرقة الحاصلة حتى يكونوا بسببها شيعا متفرقة لا ينتظم شملهم بالإسلام وإن كانوا من أهله وحكم لهم بحكمه "0
وهكذا يتبين أنهم أهل فرقة واختلاف وليسوا أهل اجتهاد كما قد يظن البعض والبدع كلها ضلال ، وعليه فلا اجتماع إلا على السنة ، وكما قال أهل العلم فمحاربة البدع ومنها بدعة الحزبية سعيٌ في جمع الكلمة0
وفقني الله وإياكم اللهم أهدنا وأهدي بنا 0



هل عقيدة حسن البناء مؤسس حزب الأخوان المسلمين السلفية ؟
وهل يوافق ابن تيمية ؟
الأستاذ حسن البناء كما يعرف بهذا رحمه الله متأثرا بالطُّرُق الصوفية التي كانت في بلده مصر ، وهذا واضح في كتاباته التي ينشرها جماعة الأخوان في مناطق شتى من العالم الإسلامي ومركزها الأول مصر ولم يكن يدعي إلى التوحيد في دعوته التي عرف بها 0
وقد تُكلم فيه وفي جماعته الأخوان المسلمين من قبل كبار علماء الأمة كالشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ ابن محمد بن صالح عثيمين والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والشيخ أحمد ألنجمي والشيخ ربيع ألمدخلي والشيخ مقبل الوادعي والشيخ محمد بن عبد الله الإمام وغيرهم من المشايخ .
وجاء في " الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة " : إن المآخذ على جماعة الإخوان المسلمين لم تقتصر على المواقف السياسية . بل وُجِّـه لها النقد في بعض الجوانب العقائدية والمنهجية وأقوال الأتباع :
فمن الناحية العقائدية أُخِذ على " البنا " قوله في مجال تعداد صفات الحركة الشمولية "وحقيقة صوفية ". والتصوف - كما هو معلوم - مخالف لمنهج أهل السنة . ولعل الشيخ رحمه الله قد تأثّر بنشأته الأولى مع الطريقة الحصافية ، أو أنه أراد ( تقريب ) أهل التصوف للجماعة . وهذا مسلك خاطئ ؛ لأنه يستحيل جمع الحق بالباطل إلاَّ بالتنازل والمداهنة .
كما أخذ على " البنا " موقفة التفويضي في مجال الأسماء والصفات ، واعتبار البدعة الإضافية خلافًا فقهيًا .
كما أن الجماعة لا تُعْنَى كثيرًا بنشر عقيدة السلف والدعوة إلى التوحيد الخالص ، والتحذير من البدع والشركيات المنتشرة ؛ سواء في مصر منشأ الجماعة أو غيرها ؛ مما جعلها تهتم ( بالتجميع ) على حساب التصفية ، وبالكم لا الكيف .
وقد أخذ على بعض أتباع الحركة الغلوّ في إعجابهم بالشيخ حسن البنا . كما صدرت عن بعضهم (التلمساني وسعيد حوى) عدد من الأقوال التي لا يجيزها الإسلام .
المجيب الشيخ/ عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد

الشافعية وأبن تيمية يحرمان "بيع العهدة " -الرهن - وهذا البيع أكلت به أموال الناس بالباطل قديماً في حضرموت
حين كان الاجتهاد بابه مغلقاً والتصوف بابه مفتوحاً ؛و كان ينبغي على من يقول أنه متمسكاً بالمذهب مقلداً لأهله لماذا لا يتبع علمائه المتقدمين في أمور كثيرة و في مسائل مهمة ومنها مسائل البيوع التي عليها مدار حياة الناس فكم من الناس ورّثَ مالاً لأولاده اليوم هو في الحقيقة ليس له ووضع يده على مال بحجة هذه القاعدة الباطلة شرعًا وجاء قضاة اليوم يفتون بحرمة هذا البيع فهل هم مع أبن تيمية والشافعي أم أنه الحق يبينه الله "ليميز الله الخبيث من الطيب" فقد أحل الله البيع وحرم الربا وسنعرض في هذا الدرس إن شاء الله تعالى لفائدة عظيمة قد يجهلها كثير من الناس في ملف شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله المبارك لعلاقتها بالموضوع و ما أفتى به في هذه المسألة الحيوية وعليه جمهور العلماء منهم الشافعية ومن أهل حضرموت من تأثر به إلا أنه صوته كان ضعيفاً وغير مسموع بينما ذهب آخرون رحمهم الله من حضرموت يجيزونه غير مبالين بفتاوى الشافعية ومنها شيخهم المعتمد في حضرموت أبن الهيتمي الذي لايجوز هذا النوع من البيوع وأنظر على ماترتب عليه من فتن ومشاكل وأهمها أكل مال الناس بالباطل وصورة هذه المسألة كما سئل بها شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله
وسئل عن رجل تحت يده رهن على دين ثم باعه مالكه فأراد المرتهن أن يثبت عقد الرهن ويفسخ البيع فعلى من يدعي ؟
لجواب
فأجاب : بيع الرهن اللازم بدون إذن المرتهن لا يجوز وللمرتهن أن يطلب دينه من الراهن المدين إن كان قد حل وله أن يطلب عود الرهن أو استيفاء حقه منه ، وإن شاء طالب البائع له ، وإن شاء طالب المشتري له لكن ؛ المشتري إن كان مغرورا فقرار الضمان على البائع يجب عليه ضمان أجرة المبيع ، وإن كان عالما بصورة الحال فهو ظالم عليه ضمان المنفعة .
أنظر مجموع فتاوى أبن تيمية رحمه الله 7/ 151(مسألة بيع الرهن )
والرهن وبيع العهدة كما يسميه أهل حضرموت أو بيع الوفاء عند مذاهب أخرى
وفي الفتاوى الفقهية الكبرى لأبن حجر الهيتمي 5/ 170 (كتاب قرة العين ) قال رحمه الله عندما عرض عليه سؤال عن هذا البيع
وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعُهْدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِبُطْلَانِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ عِنْد اقْتِرَانِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ وَبِعَدَمِهَا عِنْد إضْمَارِهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قَرَرْته فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سِوَاهُ ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( 000
وَلَقَدْ رَأَيْت لِكَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْت فِي بَيْعِ الْعُهْدَةِ مَا يُشَابِهُ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ بِكَثِيرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ الْمُخَالَفَةَ الصَّرِيحَةَ بِإِبْدَاءِ آرَاءَ يَجْزِمُونَ بِهَا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ عُذْرًا فِي ذَلِكَ بَلْ أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ
لْمُقَرَّرِ الْمُعْتَرِفِينَ بِهِ وَالْمُذْعِنِينَ لَهُ أَنَّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَمُفْتُونَ وَمُؤَلِّفُونَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ قَطْعًا بِأَيِّ مَرْتَبَةٍ فَرَضْتَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ فَمَعَ ذَلِكَ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَنْ يَذْكُرُوا آرَاءً لَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِوَجْهٍ بَلْ مُجْتَهِدُو الْمَذْهَبِ أَصْحَابُ الْوُجُوهِ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُبْدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِهِمْ وَآرَائِهِمْ إلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ قَاعِدَتِهِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ .
وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ كَمُفْرَدَاتِ الْمُزَنِيِّ وَآرَاءِ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لَا تُعَدُّ آرَاؤُهُ وُجُوهًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مِنْهُ بَلْ هُوَ كَبَقِيَّةِ آرَاءِ الْمُخَالِفِينَ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أُولَئِكَ الْحَضَارِمَةِ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى آرَاءَ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُمْ إذَا سَلَكُوا ذَلِكَ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا تِلْكَ الْآرَاءَ بِنِسْبَتِهَا إلَى قَائِلِهَا أَوْ بِكَوْنِهِمْ أَخَذُوهَا مِنْ قِيَاسِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ قَوَاعِدِهِمْ وَأَمَّا إطْلَاقُهَا عَرِيَّةً عَنْ ذَلِكَ فَفِيهِ إيهَامٌ بَلْ صَرِيحٌ أَنَّهَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ ثَمَّ رَأَيْت أَكْثَرَ مُشْتَغِلِي الْحَضَارِمَةِ يُتَوَهَّمُونَ ذَلِكَ فَاتَّضَحَتْ حُرْمَةُ هَذَا الْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالتَّجَاسُرِ عَلَى مَرَاتِبِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِطَاعَتِهِ أَجْمَعِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ .

من أفتى بصحة العهدة المعروفة بحضرموت خلافاً لمذهب الشافعي وأبن تيمية وبقية كبار الأئمة المشهورين ؟
تحدثت في ماسبق ذكره إلى حرمة بيع الرهن أو الوفاء أو العهدة كما عرفت عند فقهاء الشافعية وكيف أنها كانت جائزة ويحل هذا النوع من البيع في حضرموت في مامضى ونقلت قول ابن حجر الهيتمي الذي شنع في قوله على من أفتى بهذا وبالمناسبة ذكر لي أحد الأخوة ممن يتابع ما أكتبه في هذه الصفحة أن شخصاً يعرفه ذهب مال أهله في ظروف سابقة بمثل هذه القضية والمال معروف لبعض كبار السن ،وهذا دليل على ماذهبت إليه من فساد هذا البيع وبطلانه لكن قبل الدخول إلى صلب الموضوع فلابد من أن يطلع القارىء والملم ببعض المسائل الفقهية عن مسألة لها علاقة بما تقدم ذكره وهي مسألة ذكر ها شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله وفيها جوّز بيع الرهن في هذه الحالة حين وسئل كما في (مجموع الفتاوى 7/ 145 ) عمن له على شخص دين وأرهن عليه رهنا والدين حال ورب الدين محتاج إلى دراهمه ، فهل يجوز له بيع الرهن ؟ أم لا ؟
فأجاب رحمه الله قال :( إذا كان أذن له في بيعه جاز وإلا باع الحاكم إن أمكن ووفاه حقه منه ، ومن العلماء من يقول : إذا تعذر ذلك دفعه إلى ثقة يبيعه ويحتاط بالإشهاد على ذلك ويستوفي حقه منه ، والله أعلم .)

بقية الموضوع تلحق إن شاء الله تعالى

بيع العهدة من أفتى به والكتب التي ألفت فيه
قد تقدم أن بيع العهدة وهو قول عند بعض علماء الشافعية المتأخرين في حضرموت واليمن، أول من انتشر في بلاد اليمن ومن أفتى به من الشافعية القاضي مسعود بن علي اليمني المولود عام (548هـ) والمتوفى عام (604هـ) والقاضي محمد سعيد أبو شكيل، وعنه انتشرت هذه المسألة في جهة الشحر و مناطق حضرموت، حتى أنه لا يعلم أحد من فقهاء تلك الفترة يخالف في أصل هذه المسألة، وإن اختلفوا في تفاريعها، إلا ما كان من السيد عبد الله بن عثمان العمودي تلميذ ابن حجر الهيثمي من إنكارها، والمنع من تعاطيها في دوعن واعتبر هذا من الربا فهو مجرد تحايل على عدم إظهار الربا وهذا قول المنكرين على من حلل هذا النوع من المعاملة وهي ليست في الحقيقة من البيع لأن البيع بالخيار وشروطه تختلف عن هذه المسألة 0
قال في (بغية المسترشدين ص133): "بيع العهدة صحيح جائز وتثبت به الحجة شرعاً وعرفاً على قول القائلين به، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زعم قديم وحكمت بمقتضاه الحكام، وأقره من يقول به من علماء المسلمين، مع أنه ليس من مذهب الشافعي، وإنما اختاره من اختاره، ولفقه من مذاهب للضرورة الماسة إليه، ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام بالفقه. ثم ذكر المؤلف صورته0
فمن الكتب المؤلفة في بيع العهدة :
1-
اطلاق العقدة شرح مسائل العهدة للشيخ عبد الله بن أحمد بازرعة من اهل القرن العاشر.
وقد نظمها السيد محمد بن سالم بن حفيظ .
2-
فك العقدة في مسائل العهدة للشيخ عبد الرحمن بن عمر العمودي المتوفي 967 هـ .
3-
حل العقدة في تصحيح بيع العهدة للشيخ محمد بن سليمان باحويرث من أهل القرن الحادي عشر .
4-
ماحوته دشتة السيد عبد الرحمن بن محمد العيدروس المتوفي 1113 هـ من فتاوي في العهدة .
5-
ايضاح العهدة شرح الزبدة في احكام العهدة للشيخ على بن عبد الرحيم بن قاضي باكثير المتوفي 1145 هـ .
6- (
بيع العهدة بين مؤيديه ومعارضيه ) للشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بكير .

منهج أبن تيمية السلفي يرد على شبهة الاعتدال في منهجية الحزبيين الإسلاميين والصوفية !!
لم يكن شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله صاحب طريقة في التصوف ولا صاحب فكر سياسي مؤسس وإنما هو مجدد للأمة دينها وقد ذكرنا في ترجمة حياته رحمه الله الظروف التي عاشها العالم الإسلامي في تلك الفترة من غزو المغول ووقوع أغلب بلاد المسلمين تحت سيطرة أعداء الدين وتفرق وتفكك وحدة المسلمين وضعفهم تلى ذلك سيطرة الصليبيين على ديار الشام وتهديدهم لمصر والعراق ففي ظل هذه الظروف الحرجة نادى أبن تيمية رحمه الله بدعوى توحيد المرجعية الإسلامية لإغلاق باب التشرذم والأهواء والبدع الكلامية وغيرها ،ولم يؤسس حزباً سياسياً أو يدعو لنفسه بالخلافة أو الإمامة بل كل مافعله هو الدعوة إلى السلفية التي هي الإسلام نفسه وتوحيد الناس على الكتاب والسنة إذ أن الدعوة السلفية ظهرت يوم البعثة وقد كان يطلق عليها آنذاك بالإسلام في مقابل ديانات الكفر وانتصرت أي السلفية على ديانات الكفر وهذا معلوم ولما خرجت الفرق المنحرفة للوجود ومن بينها دعوة الإخوان الحزبية أصبحت السلفية في مقابل هذه الحزبيات الجديدة التي ما أنزل الله بها من سلطان يدعو بها العلماء الربانيون امتدادا لدعوة الأنبياء والمرسلين كما هي دعوة ابن الأمير الصنعاني و الشوكاني وأبن عبد الوهاب رحمهم الله 0
فالسلفية هي ذاك الإسلام المصفى الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم وفهمه أصحابه الكرام رضوان الله عليهم ثم ورثه التابعون لهم بإحسان عبر الأزمان من طرف علماء السنة السلفيين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم(العلماء ورثة الأنبياء) ولا ينكر هذا المعنى إلا معاند أو جاهل فيعلم إذ أنه من المعلوم أن الألفاظ قوالب المعاني وأن المعنى هو المقصود واللفظ جاء تبعا كما بين ذلك ابن القيم في إعلام الموقعين.
فينبغي أن يعرف أن مصطلح السلفية له أصل في الشريعة ألا وهو السير على نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم
قال السمعاني (ت 562) في الأنساب (3/273): "السلفي؛ بفتح السين واللام وفي آخرها فاء: هذه النسبة إلى السلف، وانتحال مذاهبهم على ما سعمت منهم"
وقال الإمام الذهبي قال في ترجمة: الحافظ أحمد بن محمد المعروف بـ أبي طاهر السلفي: "السلفي بفتحتين وهو من كان على مذهب السلف" سير أعلام النبلاء (21/6).
السلفية هي:انتساب الى السلف وهي نسبة محمودة الى منهج معصوم وجيل مرحوم وهو مذهب أثري سديد وليس ابتداع مذهب جديد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى" (4/149): "لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لايكون إلا حقاً."
فالسلف هم الماضي والسلفية ما كان عليه أهل الماضي والسلفيون من كان على السلفية أي من كان على ما كان عليه أهل الماضي.
قال ابن تيمية رحمه الله((اعلم أنه ليس في العقل الصريح , ولا في شيء من النقل الصحيح , ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلاً ... ( الفتوى الحموية ص 34 ).
وقال أيضا:فكل من أعرض عن الطريقة السلفية النبوية الشرعية الإلهية فإنه لابد أن يضل ويتناقض ويبقى في الجهل المركب أو البسيط))..
وهذا هو الشاهد من كلامه رحمه الله فأنظر إلى الصوفية وطرقها المبتدعة في الدين والحزبية وفرقها التكفيرية والجهادية وكلها من صنع الأخوان المسلمين ، طرائقهم هي محدثة لا علاقة لها بالسلف الصالح وكتبهم في مخالفة السلف الصالح شاهدة على ذلك وليس هذا مقام ذكر بدعهم وطوامهم ومخالفتهم للكتاب والسنة لكن اللبيب بالإشارة يفهم!
والصوفية وهولاء المتحزبة هل العاقل يقول عنهم أهل اعتدال ؟ كلا فلعل من يقول بهذا يلزم من كلامه أنه يتهم الإسلام والصحابة رضي الله عنهم في سلفيتهم فأحذر أخي المسلم من دعاة على أبواب جهنم كما أخبر المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه :
قال حذيفة بن اليمان : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت : يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير ( فنحن فيه ( وجاء بك ) فهل بعد هذا الخير من شر ( كما كان قبله ؟ ) ( قال : ياحذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ( ثلاث مرات ) قال : قلت : يا رسول الله أبعد هذا الشر من خير ؟ ) قال : نعم ) قلت : ما العصمة منه ؟ قال : السيف ) قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ ( وفي طريق : قلت وهل بعد السيف بقية ؟ ) قال : نعم وفيه ( وفي طريق : تكون إمارة - وفي لفظ : جماعة - على أقذاء وهدنة على ) دخن . قلت : وما دخنه ؟ قال : - قوم ( وفي طريق أخرى : يكون بعدي أئمة ( يستنون بغير سنتي و ) يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ( وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ) - ) وفي أخرى : الهدنة على دخن ما هي ؟ قال : - لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه - ) قلت : فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال : - نعم ( فتنة عمياء صماء عليها ) دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها - . قلت : يا رسول الله صفهم لنا . قال : - هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا - . قلت : ( يا رسول الله ) فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم ( تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ) - . قلت : فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : - فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك - )


أبن تيمية رحمه الله يرد على هذه الشبهة

صوغ للرافضة أهلكهم الله أن يلعنوا يزيد بن معاوية ومن ثم أبيه معاوية بن أبي سفيان وهكذا دخلوا من هذا الباب غلى لعن جمهور الصحابة رضي الله عنهم وعلى راسهم أبوبكر عمر رضي الله عن الجميع ومن ثم التهكم وإلحاق بكل ماهو عيب خلقي أو ديني بالأعراب ومن ثم العرب عموماً ماذا تركوا بعد هذا لدين الله ونبي الله العربي الهاشمي القرشي ،أنظروا وأسمعوا دعاتهم في أيران والعراق وغيرها من الأمصار ويحتجون بقول الله تعالى ({ ألا لعنة الله على الظالمين ) لقد وقع بعض من المسلمين فريسة هذه التربية العدائية الشعوبية الفارسية وجدير بالمسلم أن يحفظ لسانه من الورد الشيعي اليومي في لعن الصحابة رضي الله عنهم لأن هذا جزء من دين الرافضة وقد قال شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في ( منهاج السنة 4/570-571 )- : " هذه آية عامة كآيات الوعيد ، بمنزلة قوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً }وهذا يقتضي أن هذا الذنب سبب للعن والعذاب ، لكن قد يرتفع موجبه لمعارض راجح ، إما توبة ، وإما حسنات ماحية ، وإما مصائب مكفّرة ، فمن أين يعلم الإنسان أن يزيد أو غيره من الظلمة لم يتب من هذه أو لم تكن له حسنات ماحية تمحو ظلمة ولم يبتل بمصائب تكفر عنه وأن الله لا يغفر له ذلك مع قوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أول جيش شخص يغزو القسطنكينية مغفور لهم وأول جيش غزاها كان أميرهم يزيد والجيش عدد معين لا مطلق وشمول المغفرة لاحاد هذا الجيش أقوى من شمول اللعنة لكل واحد واحد من الظالمين فإن هذا أخص والجيش معينون ويقال إن يزيد إنما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث ونحن نعلم أن أكثر المسلمين لا بد لهم من ظلم فإن فتح هذا الباب ساغ أن يلعن أكثر موتى المسلمين والله تعالى أمر بالصلاة على موتى المسلمين لم يأمر بلعنتهم ثم الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي فإنه قج ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا حتى أنه قال لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا لما كان قوم يسبون أبا جهل ونحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم فإذا سبوا ذلك اذوا قرابته
وأما ما نقله عن أحمد فالمنصوص الثابت عنه من رواية صالح أنه قال ومتى رأيت أباك يلعن أحدا لما قيل له ألا تلعن يزيد فقال ومتى رأيت أباك يلعن أحدا وثبت عنه أن الرجل إذا ذكر الحجاج ونحو من الظلمة وأراد أ يلعن يقول ألا لعنة الله على الظالمين وكره أن يلعن المعين باسمه ونقلت عنه رواية في لعنة يزيد وأنه قال ألا ألعن من لعنة الله واستدل بالاية لكنها رواية منقطعة ليست ثابته عنه والاية لا تدل على لعن المعين ولو كان كل ذنب لعن فاعله يلعن المعين الذي فعله للعن جمهور 000 )هل يستفيد من هذا من يلتحف بأقوال أهل السنة دون أن يعرف منهجهم في الصحابة رضي الله عنهم ومن أمراء المسلمين ومنهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الذي أمتنع من سبه ولعنه كبار الصوفية خصوم أبن تيمية مثل ابن حجر الهيتمي واشراف الحجاز وغيرهم كثير ؟

" لا تسبوا أصحابي000 "
تحدثت في ماتقدم ذكره في منهجية أهل السنة والجماعة في حفظ جناب الدين الإسلامي وشعائره التي فرضها الله على عباده الموحدين نقلها لنا صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،هولاء الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم قال تعالى في مدحهم : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة ، الآية (100) .
.
ففي الآية الكريمة دلالة على فضل المهاجرين والأنصار ووعد الله لهم بجنات تجري من تحتها الأنهار .
وقال تعالى أيضا: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }{ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } أنظر في تفسيير الاية تفسير القرطبي 8 / 235 الذي قال فيه :ففي هذه الآية أخبر الله - تعالى - بأن المؤمنين من المهاجرين والأنصار الذين بايعوا نبيهم صلى الله عليه وسلم بإخلاص تحت الشجرة في غزوة الحديبية وهي المسماة ببيعة الرضوان ، قد رضي عنهم وأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا وهو فتح خيبر ليأخذوا منها ومما فتحه الله عليهم من سائر البلاد والأقاليم مغانم كثيرة 000
وهذا الفضل الكبير لهم تؤكد ه كثيراً من الأحاديث الثايته عنه صلى الله عليه وسلم ومن ذلك :
ما رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « لا تسبوا أصحابي ، لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه »
في هذا الحديث تجد فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيرهم من المسلمين وفيه أيضا انه نهى عن سبهم , ووصفهم بالصحبة ، وأضافها إلى نفسه ، تنويهًا بفضلهم ، وبيانًا لشرف منزلتهم ، ثم بين أيضًا أنهم يفضلون غيرهم لكونهم ينفقون أموالهم في سبيل الله ، لأن نفقاتهم كانت في وقت الضرورة وضيق الحال ونصرة للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف غيرهم . من هنا كان إنفاق مُد طعامهم أو نصفه من أحدهم أفضل عند الله من إنفاق مثل جبل أُحد ذهبًا من غيرهم .
فهل فهم هذا الرافضة أهلكهم الله و الشواذ من المسلمين المتأثرين بهم في سب ولعن الصحابة رضي الله عنهم وتتبع عوراتهم وفي المقابل يختلقون الأحاديث والروايات الكاذبة في تعظيم أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي مات على الشرك لحكمه ارادها الله ومنهم من يقول عنه (( أبو طالب مؤمن قريش ) ومنهم من يختلق الكذب على الله ورسوله عصبية جاهلية وحمية لها ولا يرى في الآيات الواضحات والأحاديث البينات في فضل الصحابة رضي الله عنهم شيئاً وما من جماعة ولا طائفة ولا فرقة من المسلمين توسطت والتزمت للمنهج الحق في الصحابة بمثل ماكان عليه أهل السنة والجماعة ذكره أبن تيمية رحمه الله في مواضع عدة من الفتاوى ومنهاج السنة والعقيدة الواسطية قال :(000لكي يتضح منها منهج أهل السنة والجماعة في الموقف مما شجر بين الصحابة - رضوان الله عليهم -، وليتقرر إطباق علماء الأمة المعتبرين قاطبة على وجوب حفظ اللسان تجاه الصحابة، وأن لا يذكروا إلا بخير)
وسئل الإمام أحمد (ت - 241هـ) رحمه الله: ما تقول فيما كان بين علي ومعاوية؟ قال: (ما أقول فيهم إلا الحسنى) (74).
وأعتبر أبن تيمية رحمه الله أن سبهم حرام بدليل الكتاب والسنة وذكر عدة آيات وأحاديث منها ماتقدم حديث "لاتسبوا أصحابي 000 "
ويقسم ابن تيمية رحمه الله أنواع سب الصحابة وأحكامه تقسيماً جيداً: فمن اقترن بسبه دعوى أن عليا إله، أو أنه كان هو النبي فهذا لا شك في كفره.
ومن سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم فهذا يستحق التأديب والتعزير، ولا يحكم بكفره بمجرد ذلك.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلا نفراً قليلاً فهذا لا ريب في كفره.
وأما من لعن وقبّح مطلقاً فهذا محل الخلاف فيهم، لتردد الأمر بين لعن الغيظ ولعن الاعتقاد ، واللعن أشد من السب وقارنه النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقتل كما قال: «لعن المؤمن كقتله»
وأما موقف ابن تيمية رحمه الله مما ورد في مساوئ الصحابة ومثالبهم فيمكن أن يفهم من مجموع كلامه أنه وضع قواعد ثابتة وسار عليها، ومن هذه القواعد:القاعدة الأولى : أن ما يُذكر من المطاعن والمثالب على الصحابة نوعان:
الأول : منها ما هو كذب: إما كذب كله، وإما محرَّف قد دخله من الزيادة والنقصان والتغيير ما يخرجه إلى الذم والطعن، وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي ، وأمثالهما من الكذابين.الثاني : ومنها ما هو صدق، وهذا قليل، ولهم معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوباً، وتجعلها من موارد الاجتهاد، التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب، وقد أجاد شيخ الإسلام رحمه الله في بيان الاعتذار لهم بكلام نفيس أجتزئ منه قوله عنهم: (لهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم...
هذا ما أردت توضيحه للمسلمين من باب النصح لأن زماننا هذا زمان الفتن قد ظهر فيه أناس دعاة شر وسوء عقيدة يخلطون الأوراق في قضايا مهمة منها هذه وهذه من أولويات عقيدة أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم فالحذر كل الحذر نهم فإن كانوا على غيرها فليتميزوا؟

مناظرات ابن تيمية للنصارى
لشيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله عدداً من المناظرات في مواضيع عقدية ودعوية وأخرى فقهية قد حدثت له مع كبار العلماء والفقهاء ممن ينتسب للفرق الكلامية كالجهمية والأشاعرة والصوفية وغيرهم والقساوسة في دين النصارى
وقد تضمنت كتب شيخ الإسلام الحديث عن ذلك خاصة في مجموع الفتاوى الذي سنشير أليه في موضوعنا هذا عن مناظراته مع النصارى في دمشق من ارض الشام والقاهرة في بلاد مصر في زمانه مع من عاصره في تلك الفترة التاريخية من حياة شيخ افسلام أبن تيمية رحمه الله وكانت المناظرة الأولى: حكى شيخ الإسلام مناظرته للنصارى في القاهرة فقال: "لما قدمت القاهرة اجتمع بي بعض معظميهم من الرهبان، وناظرني في المسيح ودين النصارى، حتى بيّنت له فساد ذلك، وأجبته عما يدعيه من الحجة.
وكان من أواخر ما خاطبت به النصراني أن قلت له: أنتم مشركون، وبيّنت من شركهم ما هم عليه من العكوف على التماثيل والقبور، وعبادتها، والاستغاثة بها.
قال لي: نحن ما نشرك بهم ولا نعبد هم، وإنما نتوسل بهم، كما يفعل المسلمون إذا جاءوا إلى قبر الرجل الصالح، فيتعلقون بالشباك الذي عليه ونحو ذلك.
فقلت له:وهذا أيضاً من الشرك، ليس هذا من دين المسلمين، وإن فعله الجهال، فأقر أنه شرك، حتى إن قسيساً كان حاضراً في هذه المسألة، فلما سمعها قال: نعم، على هذا التقدير نحن مشركون " (مجموع الفتاوى 27/ 461، 462).

المناظرة الثانية - أثناء حديثه عمن تلبّس بالشرك: " وهؤلاء يجعلون الرسل والمشايخ يدبرون العالم بالخلق والرزق، وقضاء الحاجات وكشف الكربات، وهذا ليس من دين المسلمين، بل النصارى تقول هذا في المسيح وحده لشبهة الاتحاد والحلول، ولهذا لم يقولوا ذلك في إبراهيم وموسى وغيرهما من الرسل، مع أنهم في غاية الجهل في ذلك، فإن الآيات التي بعث بها موسى أعظم، ولو كان الحلول ممكناً لم يكن للمسيح خاصية توجب اختصاصه بذلك، بل موسى أحق بذلك، ولهذا خاطبتُ من خاطبتُ من علماء النصارى، وكنتُ أتنزّل معهم إلى أن أطالبهم بالفرق بين المسيح و غيره من جهة الإلهية، فلم يجدوا فرقاً، بل أبيّن لهم أن ما جاء به موسى من الآيات أعظم، فإن كان هذا حجة في دعوى الإلهية فهو أحق" (الرد على البكري ص 327، مجموع الفتاوى 15/ 228).

المناظرة الثالثة: لما سجن شيخ الإسلام بمصر سنة 707هـ حصلت له مناظرة مع رهبان النصارى كما أوردها تلميذه إبراهيم بن أحمد الغياني قائلاً: " ولما كان الشيخ في قاعة الترسيم دخل عنده ثلاثة رهبان من الصعيد، فناظرهم وأقام عليهم الحجة بأنهم كفار وما هم على الدين الذي كان عليه إبراهيم والمسيح، فقالوا له: نحن نعمل مثل ما تعملون، أنتم تقولون بالسيدة نفيسة ونحن نقول بالسيدة مريم، قد أجمعنا نحن وأنتم على أن المسيح ومريم أفضل من الحسين ومن نفيسة، وأنتم تستغيثون بالصالحين الذي قبلكم، ونحن كذلك.
فقال لهم: وإن من فعل ذلك ففيه شبه منكم، وهذا ما هو دين إبراهيم الذي كان عليه، فإن الدين الذي كان إبراهيم عليه أن لا نعبد إلا الله وحده، لا شريك له، ولا ندّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، ولا نشرك معه ملكاً، ولا نبياً، ولا صالحاً، وإن الأمور التي لا يقدر عليها غير الله لا تطلب من غيره مثل تفريج الكربات وغفران الذنوب. والأنبياء عليهم الصلاة والسلام نؤمن بهم ونعظمهم ونصدّقهم في جميع ما جاءوا به ونطيعهم كما قال نوح وصالح وهود وشعيب: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون فجعلوا العبادة والتقوى لله وحده والطاعة لهم فإن طاعتهم من طاعة الله فلو كفر أحد بنبيّ من الأنبياء وآمن بالجميع ما نفعه إيمانه حتى يؤمن بذلك النبي.
فلما سمعوا ذلك منه قالوا: الدين الذي ذكرته خير من الدين الذي نحن وهؤلاء عليه" (مجموع الفتاوى 1/ 370، 371)
بالنظر في المناظرات السابقة يمكننا أن نلاحظ مايلي :
1.
لا يخفى الأثر السلبي لانحراف المنتسبين إلى الإسلام وكيف احتج به النصارى في تسويغ شركهم فهم يشركون المسيح ومريم كما أن من المسلمين من يشرك الحسين ونفيسة.
مع هذا الانحراف في واقع المسلمين إلا أن ابن تيمية كان صاحب استعلاء في إيمانه فأقام عليهم الحجة فاعترفوا بشركهم بل إن بعضهم أسلم على يده وحسن إسلامه كداود المتطبب الذي صار من علماء أهل السنة وصنّف كتاباً في الطب النبوي.
2.
بيّن ابن تيمية من خلال مناظرته في السجن مناقضة النصارى لدين الإسلام الذي بعث الله به جميع المرسلين وعُني في مواطن كثيرة بتقرير هذا الإسلام العام وهو عبادة الله وحده لا شريك له (الجواب الصحيح 1/ 11، 376،).

مناظرات أبن تيمية للصوفية
أولاً :مناظرة ابن تيمية العلنية لفرقة البطائحية الرفاعية
لشيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله جهود كبيرة في سبيل الدعوة إلى الله والتصدي لأرباب الفكر والعقائد المنحرفة لا يجهله إلا جاهل وحاقد ومن هذه الجهود الدعوية مناظراته للنصارى واهل الكلام من الفلاسفة وغيرهم وأشهر مناظراته في حضرة ولاة الأمور من القضاة والسلاطين والعلماء في الشام ومصر مناظراته مع الصوفية في زمانه
وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية رحمه الله من إقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحياء السنة، ومحاربة البدعة، بعد أن أهمل ذلك الحكام فالعلماء ففشت البدع وصار كثير منها يعد من شعائر الدين، أو خصائص الصالحين، فكان رحمه الله من أعظم المجددين، قال: بسم الله الرحمن الرحيم: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله رب السموات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تسليماً دائماً إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد كتبت ما حضرني ذكره في المشهد الكبير بقصر الإمارة والميدان بحضرة الخلق من الأمراء والكتاب والعلماء والفقراء العامة وغيرهم في أمر البطائحية يوم السبت تاسع جمادى الأولى سنة خمس لتشوف الهمم إلى معرفة ذلك وحرص الناس على الإطلاع عليه، فإن من كان غائباً عن ذلك قد يسمع بعض أطراف الواقعة ومن شهدها فقد رأى وسمع ما رأى وسمع، ومن الحاضرين من سمع ورأى ما لم يسمع غيره ويره لانتشار هذه الواقعة العظيمة، ولما حصل بها من عز الدين وظهور كلمته العليا وقهر الناس على متابعة الكتاب والسنة، وظهور زيف من خرج عن ذلك من أهل البدع المضلة، والأحوال الفاسدة والتلبيس على المسلمين.
وقد كتبت في غير هذا الموضع صفة حال هؤلاء البطائحية وطريقهم وطريق الشيخ أحمد بن الرفاعي وحاله وما وافقوا منه المسلمين وما خالفوهم ليتبين ما دخلوا فيه من دين الإسلام وما خرجوا فيه عن دين الإسلام، فإن ذلك يطول وصفه في هذا الموضع، وإنما كتبت هنا ما حضرني ذكره من حكاية هذه الواقعة المشهورة في مناظرتهم ومقابلتهم، وذلك أني كنت أعلم من حالهم بما قد ذكرته في غير هذا الموضع وهو أنهم وإن كانوا منتسبين إلى الإسلام وطريقة الفقر والسلوك، ويوجد في بعضهم التعبد والتأله والوجد والمحبة والزهد والفقر والتواضع ولين الجانب والملاطفة في المخاطبة والمعاشرة والكشف والتصرف ونحو ذلك ما يوجد فيوجد أيضاً في بعضهم من الشرك وغيره من أنواع الكفر، ومن الغلو والبدع في الإسلام والأعراض عن كثير مما جاء به الرسول والاستخفاف بشريعة الإسلام والكذب والتلبيس وإظهار المخارق الباطلة وأكل أموال الناس بالباطل والصد عن سبيل الله ما يوجد وقد تقدمت لي معهم وقائع متعددة بينت فيها لمن خاطبته منهم ومن غيرهم بعض ما فيهم من حق وباطل، وأحوالهم التي يسمونها الإشارات، وتاب منهم جماعة، وأدب منهم جماعة من شيوخهم، وبينت صورة ما يظهرونه من المخاريق مثل ملابسة النار والحيات وإظهار الدم واللاذن والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك، وإن عامة ذلك عن حيل معروفة وأسباب مصنوعة، وأراد غير مرة منهم قوم إظهار ذلك فلما رأوا معارضتي لهم رجعوا ودخلوا على أن أسترهم فأجبتهم إلى ذلك بشرط التوبة، حتى قال لي شيخ منهم في مجلس عام فيه جماعة كثيرة ببعض البساتين لما عارضتهم بأني أدخل معكم النار بعد أن نغتسل بما يذهب الحيلة ومن احترق كان مغلوباً، فلما رأوا الصدق أمسكوا عن ذلك.
وحكى ذلك الشيخ أنه كان مرة عند بعض أمراء التتر بالمشرق وكان له صنم يعبده قال: فقال لي: هذا الصنم يأكل من هذا الطعام كل يوم ويبقى أثر الأكل في الطعام بينا يرى فيه، فأنكرت ذلك، فقال لي: إن كان يأكل أنت تموت؟ فقلت: نعم، فأقمت عنده إلى نصف النهار ولم يظهر في الطعام أثر، فاستعظم التتري ذلك وأقسم بأيمان مغلظة أنه كل يوم يرى فيه أثر الأكل لكن اليوم بحضورك لم يظهر ذلك، فقلت لهذا الشيخ: أنا أبين لك سبب ذلك، ذلك التتري كافر مشرك ولصنمه شيطان يغويه بما يظهره من الأثر في الطعام وأنت كان معك من نور الإسلام وتأييد الله تعالى ما أوجب انصراف الشيطان عن أن يفعل ذلك بحضورك وأنت وأمثالك بالنسبة إلى أهل الإسلام الخالص كالتتري بالنسبة إلى أمثالك، فالتتري وأمثاله سود، وأهل الإسلام المحض بيض، وأنتم بلق فيكم سواد وبياض، فأعجب هذا المثل من كان حاضراً.
وقلت لهم في مجلس آخر لما قالوا: تريد أن نظهر هذه الإشارات؟ قلت: إن عملتوها بحضور من ليس من أهل الشأن من الأعراب والفلاحين أو الأتراك أو العامة أو جمهور المتفقهة والمتفقرة والمتصوفة لم يحسب لكم ذلك فمن معه ذهب فليأت به إلى سوق الصرف إلى عند الجهابذة الذين يعرفون الذهب الخالص من المغشوش من الصفر، لا يذهب إلى عند أهل الجهل بذلك، فقالوا لي: لا نعمل هذا إلا أن تكون همتك معنا، فقلت: همتي ليست معكم بل أنا معارض لكم مانع لكم لأنكم تقصدون بذلك إبطال شريعة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا، فانقلبوا صاغرين.

نظر: مناظرة ابن تيمية لهم (ضمن مجموع الفتاوى 11/445 - 476)، الرفاعية لعبد الرحمن دمشقية.
(42)
انظر: حكاية المناظرة في مجموع فتاوى ابن تيمية 11/445 - 476، العقود الدرية لابن عبد الهادي ص194، البداية والنهاية لابن كثير 14/36

مناظرات أبن تيمية للصوفية
ثانيا:تعجيز شيخ الإسلام لشيخ الرفاعية
الطرق الصوفية
كالرفاعية والنقشبندية والقاديانية والنبهانية التيجانية والمدينية التي تنتسب لها بعض الطرق في حضرموت وقد تناول كثير من الباحثين القدامى والمعاصرين بالدراسات والبحث الكثير من المواضيع المتعلقة بالتصوف وأصل التصوف ولعل شيخ االإسلام أبن تيمية رحمه الله من رواد علماء المسلمين الذين تعرضو للتصوف بشكل مفصل لا يستغني اي باحث عن كتبه في الصوفية والطرق الصوفية وعقائدها ومناظراته لهم ويمكن الإشارة أيضاً غلى كتب قيمة مفيدة للغاية للباحث الباكستاني (إحسان الهي ظهير :التصوف المنشأ والمصادر ) وكتابه الآخر (دراسات في التصوف ) أو الكتاب الذي يتحدث عن الصوفي أبن عربي (مصرع التصوف ) عبد الرحمن الوكيل وغيرها من الكتب
والدراسات المختلفة من ذلك الطرق الصوفية كما يقول صاحب الطرق الصوفية ومشايخها في طرابلس…د. محمد درنيقة حاشية على شرح الخريدة البهية أحمد بن محمد الخلوتي الصاوي (مركز الملك فيصل 31924)
(أن أغلب الطرق الصوفية تلتصق بعلي وسلمان الفارسي رضي الله عنهم. وكل منها تدعي تلقي العلوم المكتومة الباطنة من طريق علي الذي أوتي علم الباطن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذه محاذاة لطريق الروافض.
فهم يزعمون الكشف والتوفيق والإلهام وحصول القرب من الله. وهذا يمكن تقديم الدليل أنه من الله ويدعيه كثير من المبطلين الذين يتوصلون بدعاوى الكشف الى إقناع العوام وتخديرهم وسرقتهم.)
فالتصوف وطرقه لها علاقة بالتشيع كما ذكرت تلك الأبحاث (فإن أول من أسس التصوف هم الشيعة؛ حيث يرجع التصوف إلى رجلين، ا لأول: عبدك، والثاني: أبو هاشم الشيعي، كما جاء في التنبيه والرد لأبي حسين الملطي الشافعي رحمه الله نقلا عن الإمام قتيتي ابن أكرم شيخ الإمام أبي داود والإمام النسائي، وقد عاصر الإمام أحمد، وجابر بن حيان شيعي مؤسس) . أنظر كتاب (دراسات في التصوف ) إحسان الهي ظهير وغيره0قال الشافعي "لو أن رجلاً تصوف أول النهار، لا يأتي الظهر حتى يصير أحمق، وما لزم أحد الصوفية أربعين يوماً فعاد إليه عقله أبداً" [تلبيس إبليس لابن الجوزي 371]
الطريقة الرفاعية :
الطريقة الرفاعية:التي تنسب إلى الشيخ أحمد الرفاعي قطب الأقطاب وغوث الأغواث وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مد يده الشريفة إليه فقبلها وهذه الأكذوبة لا يصدقها إلا ناقص عقل ودين.
وأهم شيوخ الطريقة الرفاعية في العراق تتوارث خاصة في اسرة آل الجنابي منهم
إبراهيم عبد الكريم الجنابي.
مصطفى عبد الكريم الجنابي.
ستار الجنابي.
جبار الجنابي 0
والطريقة الرفاعية قديمة جداً عاصر شيخ الإسلام أبن تيمية بعض شيوخها ونظرهم وقد أخترت من مجموعة الرساءل مناظرته لأحد شيوخا وشروط مناظرته وإعلان توبته أمام الناس :
تعجيز شيخ الإسلام لشيخ الرفاعية
فانتدب ذلك الشيخ عبد الله ورفع صوته وقال: نحن لنا أحوال وأمور باطنة لا يوقف عليها، وذكر كلاما لم أضبط لفظه مثل المجالس والمدارس والباطن والظاهر، ومضمونه أن لنا الباطن ولغيرنا الظاهر، وأن لنا أمرا لا يقف عليه أهل الظاهر فلا ينكرونه علينا، فقلت له ورفعت صوتي وغضبت: الباطن والظاهر والمجالس والمدارس والشريعة والحقائق كل هذا مردود إلى كتاب الله وسنة رسوله ليس لأحد الخروج عن كتاب الله وسنة رسوله ، لا من المشايخ والفقراء، ولا من الملوك والأمراء، ولا من العلماء والقضاة وغيرهم، بل جميع الخلق عليهم طاعة الله ورسوله ، وذكرت هذا ونحوه.

فقال ورفع صوته: نحن لنا الأقوال وكذا وكذا وادعى الأحوال الخارقة كالنار وغيرها واختصاصهم بها وأنهم يستحقون تسليم الحال إليهم لأجلها، فقلت ورفعت صوتي وغضبت: أنا أخاطب كل أحمدي من مشرق الأرض إلى مغربها أي شيء فعلوه في النار فأنا أصنع مثل ما تصنعون، ومن احترق فهو مغلوب وربما قلت فعليه لعنة الله، ولكن بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار، فسألني الأمراء والناس عن ذلك فقلت: لأن لهم حيلا في الاتصال بالنار يصنعونها من أشياء من دهن الضفادع وقشر النارنج وحجر الطلق، فضج الناس بذلك فأخذ يظهر القدرة على ذلك، فقال: أنا وأنت نلف في بارية بعد أن تطلى جسومنا بالكبريت، فقلت: فقم، وأخذت أحرز عليه في القيام إلى ذلك فمد يده يظهر خلع القميص، فقلت: لا حتى تغتسل في الماء الحار والخل، فظهر الوهم على عادتهم، فقال: من كان يحب الأمير فليحضر خشبا أو يقال حزمة حطب، فقلت: هذا تطويل وتفريق للجمع ولا يحصل به مقصود، بل قنديل يوقد وأدخل إصبعي وإصبعك فيه بعد الغسل ومن احترقت إصبعه فعليه لعنة الله، أو قلت فهو مغلوب، فلما قلت ذلك تغير وذل وذكر لي أن وجهه اصفر.

ثم قلت لهم: ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة ولو طرتم في الهواء، ومشيتم على الماء، ولو فعلتم ما فعلتم لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع ولا على إبطال الشرع فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض انبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلا ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك فكان لذلك وقع عظيم في القلوب.

وذكرت قول أبي يزيد البسطامي: لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي. وذكرت عن يونس بن عبد الأعلى أنه قال للشافعي: أتدري ما قال صاحبنا - يعني الليث بن سعد - قال: لو رأيت صاحب هوى يمشي على الماء فلا تغتر به، فقال الشافعي: لقد قصر الليث لو رأيت صاحب هوى يطير في الهواء فلا تغتر به، وتكلمت في هذا ونحوه بكلام بعد عهدي به، ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادعوه من النار مرة بعد مرة وهم لا يجيبون وقد اجتمع عامة مشايخهم الذين في البلد والفقراء المولهون منهم وهم عدد كثير والناس يضجون في الميدان ويتكلمون بأشياء لا أضبطها.

فذكر بعض الحاضرين أن الناس قالوا ما مضمونه " فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين " وذكروا أيضا أن هذا الشيخ يسمى عبد الله الكذاب، وأنه الذي قصدك مرة فأعطيته ثلاثين درهما. فقلت: ظهر لي حين أخذ الدراهم وذهب أنه ملبس، وكان قد حكى حكاية عن نفسه مضمونها أنه أدخل النار في لحيته قدام صاحب حماة، ولما فارقني وقع في قلبي أن لحيته مدهونة وأنه دخل الروم واستحوذ عليهم.


قول أبن تيمية رحمه الله ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين
في السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية كلام نفيس وغالي يحتاجه العالم كله وخاصة المسلمين المخاطبون بقوله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ " البقرة (104)
جاء في تفسير ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالكافرين في مقالهم وفعالهم، وذلك أن اليهود كانوا يُعَانُون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقيص -عليهم لعائن الله-فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا. يورون بالرعونة،000
ومن هذا المنطلق والوضوح كان شيخ الإسلام ابن تيمية واضحاً في تقعيد وتاسيس الاصول والقواعد في السياسة الشرعية التي عليها مدار حياة الأمة في الدنيا حتى يبعث الله الأرض ومن عليها فيحاسب الظالم بظلمه والمسيء بسيئته والمحسن بحسنته وإحسانه إن خيراً فخير وإن شراً بشرٍ،و كغيره من علماء المسلمين الربانيين الذين هم أعلام الأمة في زمانه وفي غيره من الأزمان عندما تحل بالمسلمين الفتن والرزايا والمحن يقفون ناصحين للأمة لا كمثل أهل الهوى والبدع مع المصالح الشخصية يتحركون ؟ قال رحمه الله
:
( يجبُ أن يُعرف أنَّ ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين ، بل لا قيام للدين والدنيا إلا بها ، فإن بني آدم لا تتمُّ مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ٍ ، ولا بدَّ لهم عند الاجتماع من رأس ٍ .
إلى أن قال : فإن الله تعالى أوجب الأمرَ بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ولا يتمُّ ذلك إلا بِقوةٍ وإمارةٍ ، وكذلك سائر ما أوجب اللهُ من الجهاد ، والعمل ، وإقامة الحجِّ ، والأعيادِ ، ونصر المظلوم ، وإقامةِ الحدودِ ، لا يتمُّ إلا بالقوةِ والإمارةِ.
ولهذا روي أن السُّلطان ظِلُ اللهِ في الأرضِ ، ويُقالُ : ستونَ سنة ً من إمام جائر ٍ أصلحُ من ليلة ٍ واحدةٍ بلا سُلطان ٍ .
والتجربة ُ تبينُ ذلك...
فالواجبُ اتخاذ الإمارةِ ديناً ، وقربة ً يُتقربُ بها إلى اللهِ ، فإن التقربَ إليه فيها بطاعتهِ ، وطاعةِ رسولهِ من أفضل القرباتِ .
وإنما يفسُدُ فيها حال أكثرِ الناس لابتغاءِ الرياسة والمال )
السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية ص217
قال الإمام القلعيُّ [ أبي عبد الله محمد بن علي القلعي الشافعي ـ رحمه الله ـ شيخ العلامة المحدث الفقيه الحضرمي التريمي احمد بن علي بامروان احد ابرز فقهاء وعلماء القرن السادس في حضرموت أنظر ترجمته في كتاب "الأخ اكرم مبارك عصبان " قال القلعي : ( نِظام أمر الدينِ والدنيا مقصودٌ ، ولا يحصلُ ذلك إلا بإمام موجودٍ . لو لم نقل بوجوب الإمامة لأدَّى ذلك إلى دوام الاختلاف والهرج إلى يوم القيامة . لو لم يكن للناس إمامٌ مطاعٌ لانثلمَ شرف الإسلام وضاع. لو لم يكن للأمة إمام قاهرٌ لتعطلتِ المحاريب والمنابرُ ، وانقطعتِ السبُلُ للوارد والصادر . ولو خلا عصرٌ من إمام لتعطلتْ فيه الأحكامُ وضاعت الأيتامُ ، ولم يُحجّّ البيتُ الحرام . لولا الأئمة ُ والقضاة ُ والسَّلاطين والوُلاة ُ لمَا نـُكِحتِ الأيامى ولا كُفِلتِ اليتامى. لولاالسلطان لكان النَّاس فوضى ، ولأكل بعضهم بعضا ) تهذيب الرياسة وترتيب السياسة ص94

شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقوله في بدعة المولد النبوي التي ابتدعها الفاطميون العبيديون في مصر
قال رحمه الله :
(هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه, ولو كان خيراً محضا أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منّا, فغنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلي الله عليه وسلم وتعظيماً له) ابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم ص 307 .

شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله والأمر بالسنة والنهي عن البدعة
لا يعد المؤمن مؤمناً وفي نفسه شيء من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولايعد المؤمن مبغضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لم يحتفل بمولده أو لأنه لم يحضر أو يأكل أو يشرب مما أعد للمولد0
ترهات وخواطر شياطنية تجدها لدى بعض من يدعي حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضر المولد وغيره لم يحضر 000
يجب الإقلاع عن هذه الخواطر والأفكار التالفة لدى بعض المتعصبين من جهله العلم هداهم الله 0
فأهل السنة أكثر من يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم متمثلين قوله تعالى : "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)" آل عمران
فقد جعلوا شعارهم الإتباع وجعل مخالفيهم شعرهم الإبتداع 0
فمن يكتب ويحفظ بعدد لايحصى اسم رسوله ويصلي عليه صلى الله عليه وسلم في مجالسهم وخطبهم وكتبهم لايكتب على سبيل الإختصار (ص أو صلعم ) كما يفعله غيرهم ومن يحفظ القرآن والمتون ويأمر بالسنة وينهي عن البدعة غيرهم في كل زمان قال شيخ الإسلام-رحمه الله- في كتابه منهاج السنة ,المجلد الخامس
الصفحة:253-256 :
"
والأمر بالسنة والنهي عن البدعة هو أمر بمعروف ونهي عن منكر, وهو من أفضل الأعمال الصالحة, فيجب أن يبتغى به وجه الله, وإن يكون مطابقا للأمر.
وفي الحديث "من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فينبغي أن يكون عليما بما يأمر به؛ عليما بما ينهى عنه, رفيقا فيما يأمر به, رفيقا فيما ينهى عنه, حليما فيما يأمر به, حليما فيما ينهى عنه"(قال المحقق:لم أجد هذا الحديث). فالعلم قبل الأمر, والرفق مع الأمر, والحلم بعد الأمر؛ فإن لم يكن عالما لم يكن له أن يقفو ما ليس له به علم, وإن كان عالما ولم يكن رفيقا, كان كالطبيب الذي لا رفق فيه, فيُغْلِظ على المريض فلا يقبل منه,وكالمؤدب الغليظ الذي لا يقبل منه الولد.
وقد قال تعالى لموسى وهارون "فَقُولا لَهُ قَوْلاً لََّيِّناً لََّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"(سورة طه:44).
ثم إذا أمر ونهى فلا بد أن يؤذى في العادة, فعليه أن يصبر ويحلم. كما قال تعالى: "وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ"(سورة لقمان:17).
وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع, وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر. فإن الإنسان عليه أولا أن يكون أمره لله, وقصده طاعة الله فيما أمره به. وهو يحب صلاح المأمور, أو إقامة الحجة عليه, فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته, وتنقيص غيره, كان ذلك حَمِيّة لا يقبله الله, وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا. ثم إذا رُدَّ عليه ذلك وأوذِيَ أو نسب إلى أنه مخطىء وغرضه فاسد, طلبت نفسه الانتصار لنفسه, وأتاه الشيطان, فكان مبدأ عمله لله, ثم صار له هوىً يطلب به أن ينتصر على من آذاه, وربما اعتدى على ذلك المؤذي. وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة, إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه, وأنه على السنة؛ فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوىً أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم, لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا, وأن يكون الدين كله لله, بل يغضبون على من خالفهم, وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه, ويرضون عمن يوافقهم, وإن كان جاهلا سيىء القصد, ليس له علم ولا حسن قصد, فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله. ويذموا من لم يذمه الله ورسوله, وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله. وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم, ويقولون: هذا صديقنا وهذا عدونا, وبلغة المُغل: هذا بالٍ, هذا باغى, لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله, ومعاداة الله ورسوله.
ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس. قال الله تعالى:"وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ" (سورة الأنفال:39), فإذا لم يكن الدين كله لله كانت فتنة.
وأصل الدين أن يكون الحب لله, والبغض لله, والموالاة لله, والمعاداة لله, والعبادة لله, والإستعانة بالله, والخوف من الله, والرجاء لله, والإعطاء لله, والمنع لله.وهذا إنما يكون بمتابعة رسول الله, الذي أَمْرُه أمر الله, ونهيه نهي الله, ومعاداته معاداة الله, وطاعته طاعة الله, ومعصيته معصية الله.
وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمّه, فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك, ولا يطلبه, ولا يرضى لرضا الله ورسوله, ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه, ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة, وهو الحق, وهو الدين, فإذا قدر أن الذي معه هوالحق المحض دين الإسلام, ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا, بل قصد الحَميَّة لنفسه وطائفته أو الرياء, ليعظَّم هو ويُثنى عليه, أو فعل ذلك شجاعةً وطبعا, أو لغرض من الدنيا- لم يكن لله, ولم يكن مجاهدا في سبيل الله. فكيف إذا كان الذي يدَّعي الحق والسنة هو كنظيره, معه حق وباطل, وسنة وبدعة, ومع خصمه حق وباطل, وسنة وبدعة؟!
وهذا حال المختلفين الذين فرَّقوا دينهم وكانوا شيعا, وكفّر بعضهم بعضا, وفسَّق بعضهم بعضا. ولهذا قال تعالى فيهم:"وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" (سورة البينة:4-5)."أه.
نسأل الله أن ينفعنا وإخواننا بما في هذا الكلام من خير,وأن يجنبنا الشرَّ وأهله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هل من الواجب أن يلتزم المسلم مذهب معين من مذاهب المسلمين المعروفة ؟
عرف المسلمون عددا من المذاهب الفقهية في تاريخهم الإسلامي وإن كانت هذه المذاهب تشمل اهل السنة وغيرهم من أهل البدع إلا أن المذاهب التي يعتد بها في الاصل هي مذاهب أهل السنة الأربعة المشهورة وقبلها كانت هنا لك مذاهب فقهية كثيرة اندثرت وانتهت : كمذهب سفيان الثوري بالكوفة، والحسن البصري بالبصرة ، وعبد الرحمن الأوزاعي بالشام والأندلس، ومحمد بن جرير الطبري وأبي ثور ببغداد ، وداود بن علي الأصفهاني الظاهري0
واما المذاهب المشهورة والتي كتب لها الإستمرارية والإنتشار هي الأربعة وياتي ترتيبها حسب الأقدمية:
مذهب أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زُوطى الكوفي، المولود سنة 80هـ ،والمتوفى ببغداد سنة 150هـ 0
ومالك بن أنس الأصْبَحِي الحضرمي الحميري الأصل، المولود سنة93هـ ،والمتوفى بالمدينة سنة 179هـ، ،ومحمد بن إدريس الشافعي القرشي، المولود بغزة فلسطين سنة150هـ ،والمتوفى بمصر سنة204هـ، ، ثم أخيراًأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المولود ببغداد سنة 164هـ ،والمتوفى بها سنة241هـ، ويقال لهم اهل الحديث0
يقوم أي مذهب فقهي على استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة الواردة في الكتاب والسنة وفق قواعد وأصول فقهية محددة 0
وقد مر بالمسلمين من التعصب المذهبي ما جعل كثير من العلماء رحمهم الله أن كانوا رهن التعصب الممقوت الذي لايعد ممدوحاً ولا محموداً إذ لم يامر به النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحداً من أصحابه رضي الله عنهم وهناك الكثير من العلماء من تحرر من التقليد وأتجه إلى الإجتهاد والتحقيق بعد أن كانوا متمذهبين من قبل 0
وفي كل الأحوال فقد : سُئِلَ : الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أبن تيمية رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ كما في الفتاوى الكبرى 1/ 210، مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ أَئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فِي رَجُلٍ سُئِلَ : إيشِ مَذْهَبُك ؟ فَقَالَ : مُحَمَّدِيٌّ ، أَتَّبِعُ كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ : لَهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُؤْمِنٍ أَنْ يَتَّبِعَ مَذْهَبًا ، وَمَنْ لَا مَذْهَبَ لَهُ فَهُوَ شَيْطَانٌ ، فَقَالَ : إيشِ كَانَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ فَقِيلَ لَهُ : لَا يَنْبَغِي لَك إلَّا أَنْ تَتَّبِعَ مَذْهَبًا مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَأَيُّهُمْ الْمُصِيبُ ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ .
فَأَجَابَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَهَؤُلَاءِ أُولُو الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ فِي قَوْلِهِ : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } .
إنَّمَا تَجِبُ طَاعَتُهُمْ تَبَعًا لِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، لَا اسْتِقْلَالًا ، ثُمَّ قَالَ : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } .
وَإِذَا نَزَلَتْ بِالْمُسْلِمِ نَازِلَةٌ فَإِنَّهُ يَسْتَفْتِي مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُفْتِيهِ بِشَرْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَيِّ مَذْهَبٍ كَانَ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَقْلِيدُ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي كُلِّ مَا يَقُولُ ، وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْتِزَامُ مَذْهَبِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يُوجِبُهُ وَيُخْبِرُ بِهِ ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاتِّبَاعُ الشَّخْصِ لِمَذْهَبِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِعَجْزِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهِ إنَّمَا هُوَ مِمَّا يَسُوغُ لَهُ ، لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إذَا أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ الشَّرْعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ ، بَلْ كُلُّ أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ مَا اسْتَطَاعَ وَيَطْلُبَ عِلْمَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ فَيَفْعَلُ الْمَأْمُورَ ، وَيَتْرُكُ الْمَحْظُورَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية

كتابه هذا ( درء تعارض العقل و النقل) أو ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول )
علامة كبرى او كما يقال شامة في جبين الزمان لا يدانيه في بابه كتاب آخر، بل لا يكاد يوجد أصلا في بابه كتاب، كما قال ابن القيم:

واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ............. ما في الوجود له نظير ثان
وبما ان من كتب قبله من العلماء بما فيهم اإمام احمد بن حنبل الذي رد فيه على الجهمية والنقض لعثمان بن سعيد الدارمي الذي رد فيه على بشر المريسي وغيرهم من العلماء المتقدمين لم تبلغ كتبهم وردودهم على اهل الباطل قوة وحجية أكبر من ما قام به أبن تيمية رحمه الله في كتابه المذكور (درء تعارض العقل والنقل )بادلة دامغة بمنطق العقليين الفلاسفة نسف حججهم الواهية التي سودوا فيها ملايين الصفحات عبر قرون 0
فقول القائل : إذا تعارضت الأدلة السمعية والعقلية أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية أو نحو ذلك من العبارات فإما أن يجمع بينهما وهو محال لأنه جمع بين النقيضين وإما أن يردا جميعا وإما أن يقدم السمع وهو محال لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض
وأما إذا تعارضا تعارض الضدين امتنع الجمع بينهما ولم يمتنع ارتفاعهما وهذا الكلام قد جعله الرازي وأتباعه قانونا كليا فيما يستدل به من كتب الله تعالى وكلام أنبيائه عليهم السلام وما لا يستدل به ولهذا ردوا الاستدلال بما جاءت به الأنبياء والمرسلون في صفات الله تعالى وغير ذلك من الأمور التي أنبأوا بها وظن هؤلاء أن العقل يعارضها وقد يضم بعضهم إلى ذلك أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين وقد بسطنا الكلام على قولهم هذا في الأدلة السمعية في غير هذا الموضع0 (أنظر صفحات أخرى من هذا الموضوع تقدم الحديث فيها عن موضوع العقلانيين )
والكتاب في عشرة مجلدات ويمكن إختصارها ولا يخل بقواعد الكتاب إذ أن شيخ الإسلام ابن تيمية يكرر ويسهب احيانا الكلام لهدف اراده للمتعلمين رحمه الله0

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(طريقتا المبتدعة في نصوص الأنبياء أولا ـ طريقة التبديل : أهل التبديل نوعان أهل الوهم والتخييل ،ولهؤلاء في نصوص الأنبياء طريقتان : طريقة التبديل وطريقة التجهيل أما أهل التبديل فهم نوعان : أهل الوهم والتخييل وأهل التحريف والتأويل فأهل الوهم والتخييل هم الذين يقولون : إن الأنبياء أخبروا عن الله وعن اليوم الآخر وعن الجنة والنار بل وعن الملائكة بأمور غير مطابقة للأمر في نفسه ولكنهم خاطبوهم بما يتخيلون به ويتوهمون به أن الله جسم عظيم وأن الأبدان تعاد وأن لهم نعيما محسوسا وعقابا محسوسا وإن كان الأمر ليس كذلك في نفس الأمر لأن من مصلحة الجمهور أن يخاطبوا بما يتوهمون به ويتخيلون أن الأمر هكذا وإن كان هذا كذبا فهو كذب لمصلحة الجمهور إذ كانت دعوتهم ومصلحتهم لا تمكن إلا بهذه الطريق،وقد وضع ابن سينا وأمثاله قانونهم علي هذا الأصل كالقانون الذي ذكره في رسالته الأضحوية وهؤلاء يقولون : الأنبياء قصدوا بهذه الألفاظ ظواهرها وقصدوا أن يفهم الجمهور منها هذه الظواهر وإن كانت الظواهر في نفس الأمر كذبا وباطلا ومخالفة للحق فقصدوا إفهام الجمهور بالكذب والباطل للمصلحة
ثم من هؤلاء من يقول : النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر ثم من هؤلاء من يقول : النبي كان يعلم الحق ولكن أظهر خلافه للمصلحة000)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى
((فتبيّن بذلك أنّ أهل السنّة في كلّ مقام أصحُّ نقلاً وعقلاً من غيرهم))] (الاستقامة 1/116)
أهلُ السنّة هم أهل الحديث والأثر السائرين على طريقة السلف الصالح من الصحابة والتّابعين. أمّا كونهم أصحُّ نقلاً من غيرهم فلاعتنائهم الدائم بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وآثار صحابته رضوان الله عليهم والتابعين لهم بإحسان حفظاً ورواية ودراية وعنايةً. وهم أحرص النّاس على جمع ما تفرّق من سنّته صلى الله عليه وسلّم ولو كلّفهم ذلك السنين ذوات العدد.

أمّا كونهم أصحُّ عقلاً من غيرهم فلأنّهم عرفوا للسنّة المُطهّرة قدرها وعرفوا للصحابة منزلتهم فلم يُقدّموا بين يدي السنّة المُطهّرة شيئاً من الآراء والفلسفات والتخرُّصات ولم يتجاوزوا فهوم السلف الصالح رضوان الله عليهم للكتاب والسنّة، بل التزموا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه من غير زيادة ولا نُقصان ولا تقديم ولا تأخير. فكانوا -حقّاً- أحقَّ بالسنّة من غيرهم وأهلَها. وهكذا كلُّ من أمّر السنّة على نفسه قولاً وفعلاً واعتقاداً كان أحقّ بالانتساب إلى السنّة من غيره وكان في كلّ مقام أصحّ نقلاً وعقلاً من غيره .
وقفات مع مذهب أبن تيمية رحمه الله في بعض مسائل الصيام
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة :
وصِحُّ صَوْمُ الْجُنُبِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ وَإِذَا نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَهُ الْفِطْرُ وَإِذَا نَوَى صِيَامَ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَفِي ثَوَابِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ وَالْأَظْهَرُ الثَّوَابُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ وَلَكِنْ إذَا اشْتَهَى الْأَكْلَ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْجُوعُ فَهَذَا يَكُونُ جُوعُهُ مِنْ بَابِ الْمَصَائِبِ الَّتِي تُكَفَّرُ بِهَا خَطَايَاهُ وَيُثَابُ عَلَى صَبْرِهِ عَلَيْهَا وَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ عِبَادَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابُ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ/
انظر مجموع الفتاوى 8/ 112

من اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية في رمضان
قال أبو العباس : أما قضاء الصلاة والنذر والكفارة فعندنا على الفور ، وقد قيل إنه على التراخي فلا تناظر المسألة ، وإنما نظيرها قضاء رمضان ، فإنه وقت موسع ، والمذاهب هناك أنه إذا مات بعد استطاعة القضاء أطعم عنه ، المشهور في الصلاة لا يعصي فيتوجه التخريج فيهما كما اقتضاه كلامه . وقال أبو الخطاب اتفق على الإيجاب الموسع في القضاء ، والحج ، والكفارة ، والزكاة ، والدين المؤجل ، وهذا غلط فإن فيه ما هو مضيق وما هو على التراخي ، ويجب قضاء الفوائت على الفور ، وهو مذهب أحمد وغيره .
لاخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية
المؤلف : علاء الدين أبي الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي ص27
ابن تيمية والآخر
(مقدمات ضرورية لفهم مسألة التكفير))

كتبه :
عائض بن سعد الدوسري
قال :
من المسائل المهمة والخطيرة والتي كثيراً ما يثيرها
خصوم الدعوة السلفية عموماً وابن تيمية خصوصاً:
(
مسألة التكفير).
حيث كتبوا بهذا الصدد الكثير من الكتب،
لكن مما يؤسف له أنهم كثيراً ما يحيفون في حكمهم
في هذه المسألة بالذات،
ويتهمون ابن تيمية بشكل خاص
بأنه مُنظر التكفير، ومؤسس الإقصاء !
ومن يتأمل جوهر مذهب ابن تيمية
يعلم علماً يقينياً أنه بريء مما يتهمونه به،
وأنه كذلك بريء من التفريط والإفراط،
ولبيان هذه المسألة بشكل واضح
لا بد من توضيح بعض الأمور المهمة في هذا الموضوع،
كما يلي:
أولاً: مقدمات في مسألة التكفير.
قبل الحديث عن مسألة التكفير
وموقف شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- منها،
أود أن أضع بين يديّ القارئ الكريم بعض المقدمات والقواعد المنهجية التي أرى أنها ضرورية في معالجة هذه المسألة،
حتى لا نهرب من إفراطٍ فيها إلى تفريط،
والفضيلة هي الوسط العدل الذي يقع بين رذيلتين،
وهذا الوسط هو حقيقة روح الإسلام ومعدن الشريعة
التي فصلت وبيَّنت هذه المسألة،
وسار على ذلك السلف الصالح رضوان الله عليهم.
وهذه مقدمات مهمة في مسألة التكفير:
(1)
التكفير موجود في كل دين وفي كل مذهب وفي كل فكرة.
ودين ليس فيه أصول يكفر من ينكرها ليس بدين،
وهذا أمر تتفق عليه جميع الديانات السماوية
كالإسلام واليهودية والنصرانية،
بل إن الأيديولوجيات الوضعيّة كالشيوعية والعلمانية وغيرها
يكون تكفيرها بإخراج من لم يؤمن بأصولها عن دائرتها.
(2)
التكفير حكم شرعي لا يُنكر،
فهو من أحكام الله و أحكام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم،
وإنما الإنكار على من توسع وغلا وأفرط فيه،
أو كفر مسلماً.
(3)
كل طائفة إسلامية قد تقرر عندها مبدأ التكفير،
لكن أهل السنة والجماعة هم الوسط في هذا الباب،
وهم أضبط وأعدل وأقسط الناس فيه،
ومنهجهم في ذلك معلوم منضبط.
(4)
أن عدم التكفير مطلقاً ليس مفخرة ولا منقبة؛

لأمرين:

أن هذا منافٍ للواقع وتكذيب للوقائع،
ثم هو يناقض فكرة الإيمان بفكرة محددة لها أصول ثابتة.


(5)
لا توجد طائفة أو فرقة أو دين
إلا ويمارس فيه الإقصاء للمخالف.
وأعدل، وأضبط، وأرحم الخلق

في تعاملهم مع المخالفين

هم أهل السنة والجماعة.
(6)
عقيدة أهل السنة والجماعة منهج ومبدأ وليست أشخاصاً،
وهي الإسلام بنقائه وصفائه،

كما أن حال أفراد المسلمين اليوم ليسوا بحجة على الإسلام،
فكذلك الحال بالنسبة لأفراد أهل السنة،
فالحجة في منهجهم وأصولهم لا بأفرادهم.

(7)
أن الواقع والتاريخ والنصوص تدل وتثبت

أن أهل السنة والجماعة هم ضحية التكفير والعنف والإقصاء
من قبل الآخرين الذين يوصفون بالعقلانية والتنوير والتسامح.

فلقد كُفر الإمام أحمد واستحل دمه،
وعذب وضرب بالسياط حتى سقط،

وسجن، وقُتل خلق من أنصاره، ومنعوا من الحج،

وضُربت عنق الإمام أحمد بن نصر المروزي،
وصلب مدة طويلة،

واُمتحن علماء السلف في إيمانهم في فتنة خلق القرآن،

وفصلوا من أعمالهم، وقُطعت أرزاقهم،

وكُفر ابن تيمية، وسجن وضرب وعذب،


ونالته الألسن بالألفاظ البذيئة،

في زمنه وحتى عصرنا هذا.. والقائمة طويلة.



(8)
أن الأخطاء والانحرافات التي تتماشى وتتفق مع أصول المذهب ويقرها،


هي ما يدان به المذهب أو تدان به الطائفة،


وليست أخطاء الأفراد أو الجماعات


التي أصولهم ومنهجهم ومذهبهم


يرفضها ويدينها ويرد عليها.
ابن تيمية والآخر(  2 ))

(موقف ابن تيمية من التكفير)
كتبه/

عائض بن سعد الدوسري

تناولت الكثير من الدراسات العلمية والأكاديمية المنصفة

موقف شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- من التكفير،
وأبانت بشكل واضح وجلي حقيقة آراء ابن تيمية
وأنها لا تختلف في شيء عن مذهب أهل السنة والجماعة،
مذهب العدل والرحمة بالمسلمين وبالناس جميعاً.
ونحن هنا لسنا بصدد عرض موقف ابن تيمية بالتفصيل،
بل بصدد عرضٍ موجزٍ لأهم آراء وأقوال وأفكار ابن تيمية
حول مسألة التكفير وموقفه من المخالفين؛
والتي أطال أهل الخلاف فيها الكلام؛
وامتدت ألسنتهم الحداد ضد ابن تيمية
واتهموه بما ليس فيه، وقولوه ما لم يقله.
وأنا هنا أضع بين يديك –أخي القارئ الكريم-
كلام ابن تيمية نفسه، وتطبيقاته العملية،
ليتضح لك، ولكل منصف حقيقة موقف ابن تيمية.
إن أولَ أمر يقرره – رحمه الله-
هو ما قرره أهل السنة والجماعة
من أن التكفير حكم الله عز وجل،
وحكم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم،
وأن التعدي على المسلم بالتكفير
من أعظم الأمور شناعة، وأكثرها بشاعة،
وأخطرها أثراً على الإسلام والمسلمين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
(
وليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين،
وإن أخطأ وغلط،
حتى تقام عليه الحجة، وتُبيّن له المحجة،
ومن ثبت إسلامه بيقين،
م يزل ذلك عنه بالشك).
وقال:
(
ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله،
ولا بخطأ أخطأ فيه،
كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة).
وقال مؤكداً منهجه الذي لا يحيد عنه:
(
هذا مع أني دائماً،
من جالسني يعلم ذلك مني،
أني من أعظم الناس نهياً
عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية،
إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية
التي من خالفها كان كافراً تارة،

وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى).
(موقف ابن تيمية من التكفير)

وبعد بيان خطورة التكفير، وضرورة التحري فيه، يبيَّن المنهج السني في مسألة التكفير،
وأن أهل السنة والجماعة يفرقون في أحكام التكفير
بين التكفير المطلق (جنس التكفير) وبين تكفير المعيَّن،
لأن للتكفير شروطاً لا بد من تحققها،
وموانع لا بد من ارتفاعها حتى يتحقق الحكم.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
(
التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعيّن،
وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن،
إلا إذا وجدت الشروط، وانتفت الموانع،
يبيّن هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة
الذين أطلقوا هذه العمومات،
لم يكفّروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه).
ويقول:
(
وكنت أبيّن لهم إن ما ُنقل لهم عن السلف والأئمة
من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا
فهو أيضاً حق،
لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين،
وهذه أول مسألة تنازعت فيها الأمة
من مسائل الأصول الكبار وهي مسألة الوعيد
فإن نصوص القرآن في الوعيد مطلقة كقوله:
{
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما..} الآية،
وكذلك سائر ما ورد "من فعل كذا فله كذا".
فإن هذه مطلقة عامة
وهي بمنزلة قول من قال من السلف:
"
من قال كذا فهو كذا".
ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه بتوبة،
أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة،
أو شفاعة مقبولة).
(موقف ابن تيمية من التكفير)
ويعتبر ابن تيمية
أن هذا المنهج الصارم المنضبط في التكفير
هو من خصائص أهل السنة والجماعة،
والذي فارقوا فيه أهل الخلاف
الذين توسعوا في التكفير،
وكفروا غيرهم من المسلمين
لأجل مخالفتهم في مذهبهم
الذي وضعوه من تلقاء أهوائهم وعقولهم وأذواقهم!

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
(
فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضاً،
ومن ممادح أهل العلم أنهم يخطئون ولا يكفرون،
وسبب ذلك أن أحدهم قد يظن ما ليس بكفر كفراً،
وقد يكون كفراً
لأنه تبيّن له أنه تكذيب للرسول وسب للخالق،
والآخر لم يتبيّن له ذلك
فلا يلزم إذا كان هذا العالم بحاله يكفر إذا قاله
أن يكفر من لم يعلم بحاله).
وقال:


(
وأئمة السنة والجماعة، وأهل العلم والإيمان،
فيهم العلم و العدل و الرحمة،
فيعلمون الحق الذي يكونون به
موافقين للسنة سالمين من البدعة،
ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم؛
كما قال تعالى:
{
كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى }
ويرحمون الخلق، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم، لا يقصدون الشر لهم ابتداءً، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم و جهلهم و ظلمهم؛
كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا).
موقف ابن تيمية من التكفير
ثم يبسط ابن تيمية كلامه
في بيان منهج أهل السنة في عذر المخالف،
وبيان أنهم من أرحم الناس بالمخالفين،
ويقول راداً على أهل الخلاف
ومبيناً لهم المنهج الوسط العدل لأهل السنة:
(
قلت لهم
وليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد
يجب أن يكون هالكاً،
فإن المنازع قد يكون مجتهدا مخطئا يغفر الله خطأه،
وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم
ما تقوم به عليه الحجة،
وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته).
وقال:
(
وأما التكفير،
فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد
-
صلى الله عليه وآله وسلم-
وقصد الحق فأخطأ لم يكفر،
بل يغفر له خطأه،
ومن تبين له ما جاء به الرسول
-
صلى الله عليه وآله وسلم-
فشاق الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-
من بعد ما تبين له الهدى
واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر،
ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق
وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب،
ثم قد يكون فاسقاً
وقد تكون له حسنات ترجح على سيئاته.
فالتكفير يختلف بحسب اختلاف حال الشخص
فليس كل مخطئ ولا مبتدع ولا جاهل ولا ضال
يكون كافراً
بل ولا فاسقاً بل ولا عاصياً).
وقال:
(
الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده،أو لم يتمكن من فهمها،
وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها،فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ؛فان الله يغفر له خطأه كائناً ما كان،

سواء كان في المسائل النظرية أو العملية،هذا الذي عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -وجماهير أئمة الإسلام).
ثم يبيّن -رحمه الله-
موقف أهل الخلاف من أهل السنة والجماعة، وموقف أهل السنة من أهل الخلاف،فيقول:
(
والخوارج تكفر أهل الجماعة،وكذلك المعتزلة يكفرون من خالفهم، وكذلك الرافضة، ومن لم يكفر فسق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأيا
ويكفرون من خالفهم فيه.وأهل السنة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق).
وقال:
(
الخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم،ويستحلون دمه وماله.

وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها،وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة ويطيعون الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- فيتبعون الحق ويرحمون الخلق ).

موقف ابن تيمية من التكفير
إن تلك النفس المؤمنة العظيمة هي التي أثرت في ابن تيمية
في تعامله مع الطوائف والفرق المخالفة،
فابن تيمية -أولاً وقبل كل شيء- باحث عن الحق،
ومن مهمة الباحث العلمي أن يعري ويكشف حقائق الأفكار وزيفها وصدقها،
لأنه يقوم بمهمة علمية يفترض فيه
الأمانة والصدق والصراحة مع العدالة والرحمة،
ومع ما يوصف به ابن تيمية من الحدة والقوة في الجدل،
إلا أنه أنصف أشد الطوائف بُعداً عن عقيدة أهل السنة.

فحينما تناول شيخ الإسلام

الجهمية والخوارج والشيعة بالنقد والتحليل،

لم تمنعه مخالفتهم والرد عليهم ونقض أصولهم

أن ينصفهم ويعدل معهم،

ونصوصه في ذلك كثيرة.
فقد تحدث عن طائفة الخوارج، ومما قاله فيهم:

(
والخوارج المارقون الذين أمر النبي

-
صلى الله عليه وآله وسلم- بقتالهم،

قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-

أحد الخلفاء الراشدين

واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم،

ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص

وغيرهما من الصحابة -رضي الله عنهم-

بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم،

ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين،

فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم، لا لأنهم كفار،

ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم.

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا

مع أمر الله ورسوله -صلى الله عليه وآله وسم- بقتالهم

فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق

في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم).

موقف ابن تيمية من التكفير
وحينما تحدث ابن تيمية عن المعتزلة وبعض رجالاتها،تكلم فيهم بعدل وصدق وإنصاف، ولم يدفعه خلافه معهم إلى الكذب عليهم، أو ظلمهم أو التعدي عليهم.

فهاهو يقول عن أحد أبرز رجالات المعتزلة:
(فعمرو بن عبيد وأمثاله لم يكن أصل مقصودهم معاندة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال عن المعتزلة:
إنهم مع مخالفتهم نصروا الإسلام في مواطن كثيرة وردوا على الكفار والملاحدة بحجج عقلية.
وقد عاب شيخ الإسلام ابن تيمية على ابن فورك الأشعري تكفيره المعتزلة،وتأليب الحكام عليهم.
يقول – رحمه الله- عن ذلك:
(قصد بنيسابور القيام على المعتزلة في استتابتهم وكما كفرهم عند السلطان، ومن لم يعدل في خصومه ومنازعيه ويعذرهم بالخطأ في الاجتهاد،
بل ابتدع بدعة وعادى من خالفه فيها أو كفره فإنما هو ظالم لنفسه، وأهل السنة و العلم و الإيمان يعلمون الحق،و يرحمون الخلق، و يتبعون الرسول –صلى الله عليه وآله وسم- فلا يبتدعون،و من اجتهد فأخطأ خطأ يعذره فيه الرسول صلى الله عليه وآله وسم- عذروه) .
وهذا هو ابن تيمية يتحدث عن مخالفيه من أهل الكلام (الماتريدية و الأشاعرة) فيقول عنهم:


(
إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف) .

ويتحدث عن الأشاعرة بالذات مع مخالفته لهم في كثير من الأصول والفروع، فيقول:
(إنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة،وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة والرافضة وغيرهم،
بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة والرافضة ونحوهم) .

موقف ابن تيمية من التكفير

وحينما تحدث ابن تيمية عن الشيعة رد عليهم مخالفاتهم بأسلوب علمي رصين، قائم على البراهين والأدلة العقلية والنقلية، ومع مخالفتهم الكبيرة لأهل السنة، ومباينتهم العظيمة لأهل الجماعة؛ إلا أن ذلك لم يمنع ابن تيمية من إنصافهم والعدل معهم


فيقول وهو يتحدث عن طائفة الشيعة الجعفرية الإمامية:
(كثيراً منهم ليسوا منافقين ولا كفاراً،بل بعضهم له إيمان وعمل صالح،ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب ذنب يرجى له مغفرة الله) .
وقال: (والرافضة فيهم من هو متعبد متورع زاهد) .

وقال منصفاً الشيعة:
(وينبغي أيضاً أن يعلم أنه ليس كل ما ينكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنة ووافقهم بعضهم، والصواب مع من وافقهم).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن لهم جهوداً في دعوة الكفار إلى الإسلام فدخل على أيديهم أُناسٌ من الكفار، هذا مع إيمانه وتصريحه باشتمال مذهبهم على جملة من الضلالات والمكفرات في الإسلام

ويبيّن ابن تيمية نقطة هامة جدًّا في أخلاقيات السلف الصالح أهل السنة والجماعة مع مخالفيهم، وهي الرحمة بهم والعدل معهم
أكثر من رحمتهم لبعضهم البعض!

قال ابن تيمية:
(فأهل السنة يستعملون معهم -أي المخالفين-العدل والإنصاف، ولا يظلمونهم، فإن الظلم حرام مطلقاً، كما تقدم، بل أهل السنة لكل طائفة من هؤلاء خير من بعضهم لبعض،بل هم للرافضة خير وأعدل من بعض الرافضة لبعض،وهذا مما يعترفون هم به،ويقولون:
"
أنتم تنصفوننا ما لا ينصف بعضنا بعضاً.. "ولا ريب أن المسلم العالم العادل أعدل عليهم وعلى بعضهم من بعض) .

موقف أبن تيمية من التكفير

وكان -رحمه الله-

عموماً من أشد الناس رحمة بالمسلمين بشكل خاص، وبالمخالفين بشكل عام، فهذا الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي يقول :
(رأيت للأشعري كلمة أعجبتني وهي ثابتة رواها البيهقي،سمعت أبا حازم العبدوي سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول:لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد،دعاني فأتيته، فقال: "اشهد عليّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة، لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد،وإنما هذا كله اختلاف العبارات".

قلتُ - أي الذهبي - :
وبنحو هذا أدين،وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول:

أنا لا أكفر أحداً من الأمة،ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"
لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن"فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم).
فانظر أخي القارئ الكريم -وأنت قد قرأت تلك النصوص، وقد عرفت مصدرها من كتب ابن تيمية- إلى موقف ابن تيمية من المسلمين،وكيف كان يتعامل مع مخالفيه بالرحمة والعدل والحق، وأظنه قد تبيَّن لك بشكل جلي وواضح أقوال الرجل ومنهجه في هذه المسألة، وعليه كيف نقبل قول القائل، وزعم الزاعم:
(
إن ابن تيمية كان مكفراً للمسلمين، ساعياً في تفريقهم، باذلاً جهده للطعن فيهم) وهذه نصوص ابن تيمية شاهدة بزيف هذا الادعاء وبطلانه جملة وتفصيلا؟!

موقف ابن تيمية من خصومه
الذين تسببوا في سجنه وطالبوا بقتله:
لم يكن امتحان الصوفية هو الامتحان الوحيد الذي ابتلي به ابن تيمية، بل ابتلي –رحمه الله- بقرناء حسدوه على محبة الناس والخلق له،
وعلى ما منَّ الله به عليه من علم ودين وخلق،وما ناله من مكانة عظيمة في قلوب الجميع، لقد كان شيخ الإسلام –رحمه الله-
من أكثر العلماء الجهابذة الذين تعرضوا لأذى الأقران الحساد، ولكنه كان مع كل ذلك صابراً محتسباً،وكان معهم من ألطف الناس وأرحمهم.

يقول الحافظ البزَّار حاكياً حال خصومه:
(ولما رأوا هذا الإمام عالم الآخرة،تاركاً لما هُمْ عليه من تحصيل الحُطام، من الشُّبه الحرام،رافضاً الفضل المُباح فضلاً عن الحرام، تحققوا أنّ أحواله تفضح أحوالهم وتوضِحُ خفِيَّ أفعالهم، وأخذتهم الغيرةُ النفسانيّةُ، على صفاتهم الشيطانية، المباينة لصفاته الروحانية،فحرصوا على الفتك به أين ما وجدوه).
ولذا فقد اجتمع هؤلاء عليه وهم أشتاتٌ كثيرة، وأطياف منوعة،يجمعهم هدفٌ واحد وهو إسقاط ابن تيمية والنيل منه،حاولوا محاورته فأسقط في أيديهم،راموا مجاراته في العلم والفقه والمعرفة فرجعوا خائبين، ناظروه وجادلوه فبيَّن لهم المحجة وألزمهم الحجة،فاستعانوا عليه بالسلطان،
فكتبوا التقارير الكاذبة، والشكاوى الكيديَّة،محاولين نكبته عند ولي الأمر بعد أن يئسوا من الظهور عليه بالحجة والبرهان،وما أشبه الليلة بالبارحة!
يقول ابن فضل الله العمري:
(فلقد اجتمع عليه عصب الفقهاء والقضاة بمصر والشام،وحشدوا عليه خيلهم ورجلهم، فقطع الجميع، وألزمهم الحجج الواضحات أيّ إلزام،فلما أفلسوا أخذوه بالجاه والحكام).

وفي عام 709هـ
بعد أن وشى به بعض هؤلاء وكذبوا عليه وألّبوا الحكام والأمراء عليه، وتزلفوا لدى الكبراء في أمر ابن تيمية ، سُجن وعذب، هو وأصحابه،وتولى كِـبَر ذلك الجُرم شيخ غلاة الصوفية في زمنه الشيخ نصر المنبجي والأمير ركن الدين (بيبرس الجاشنكير) تلميذ المنبجي، وجماعة من الفقهاء والعلماء على رأسهم القاضي المالكي ابن مخلوف، وهؤلاء هم ممن ناصر الحاكم بيبرس في انقلابه ضد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

قال ابن عبدالهادي حاكياً ما فعله خصوم ابن تيمية:
(وأوذي جماعة من أصحابه، واختفى آخرون،وعزر جماعة، ونودي عليهم).
وقال الإمام الذهبي عن أحد أصحاب ابن تيمية وهو المحدث جمال الدين الإسكندري:
(أوذي من أجل ابن تيمية وقطع رزقه،وبالغوا في التحريض عليه).

هذا ما جادت به أنفس خصوم ابن تيمية من الأخلاق، فبعد أن عذبوا وسجنوا تلاميذه وأصحابه، ساقوه لمحاكمة ظالمة جائرة،قضاتها هم الأعداء والوشاة، فالمدعي هو القاضي، والـمُتََّهِمُ هو الحاكم،وفي هذا الجو المتلبد بالجور لم يمكّن ابن تيمية من الدفاع عن نفسه، فأمر القاضي ابن مخلوف بحبس ابن تيمية في القلعة، ومعه أخواه.
ولما رأى شرف الدين –أخو ابن تيمية وكان معه في السجن-الظلم الكبير الذي وقع عليهم من قبل هؤلاء؛ابتهل ودعا الله عليهم، فمنعه ابن تيمية،وقال له: بل قل:(اللهم هب لهم نوراً يهتدون به).

موقف ابن تيمية من خصومه الذين تسببوا في سجنه وطالبوا بقتله:

ولم يكن ظُلم شيخ الإسلام ابن تيمية وسجنه ليوهن أصحابه وتلاميذه، بل كان سبباً في زيادة التفاف أصحابه حوله، ومناصرتهم له،

بل وجعل كثيراً من الناس يتعاطفون معه، فزاره في سجنه الأمراء والعلماء والجند والفرسان والأصحاب ومن عامة الخلق،
مما زاد غيظ القاضي ابن مخلوف وحنقه وحسده لابن تيمية، فكتب إلى السلطة ما يلي:
(يجب التضييق عليه إن لم يُقتل، وإلا فقد ثبت كفره).
وطلب الـُمدعي ابن عدلان قتل ابن تيمية وذلك بتعزيره التعزير البليغ على مذهب المالكية.

قال الإمام الحافظ ابن سيد الناس حاكياً فعل خصوم ابن تيمية:
(وصلوا بالأمراء أمره، وأعمل كلّ منهم في كفره فكره،فرتبوا محاضر، وألبوا الرويبضة للسعي بها بين الأكابر، وسعوا في نقله إلى حاضرة المملكة بالديار المصرية فنقل، وأودع السجن ساعة حضوره واعتقل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قوماً من عُمار الزوايا وسكان المدارس، من مجامل في المنازعة، مخاتل بالمخادعة، ومن مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه ريب المنون).
سومونه ريب المنون).