الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

أبو ريّة طعن في حديث الجساسة وكيف رُدّ عليه ؟ ماهو حديث الجساسة ؟ حديث الجساسة

أبو ريّة طعن في حديث الجساسة
وكيف رُدّ عليه ؟

ماهو حديث الجساسة ؟
حديث الجساسة
أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر وهو يضحك فقال : ( ليلزم كل إنسان مصلاه ، ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام ، فلعب بهم الموج شهراً في البحر ، ثم أرفئوا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس ، فجلسوا في أقرب السفينة فدخلوا الجزيرة ، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر ، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقالوا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ، قالوا : وما الجساسة ؟ قالت : أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير ، فإنه إلى خبركم بالأشواق ، قال : لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة ، قال : فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير ، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خَلْقاً ، وأشده وثاقاً ، مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ، قلنا : ويلك ، ما أنت ؟ قال : قد قدرتم على خبري ، فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا : نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية ، فصادفنا البحر حين اغتلم ، فلعب بنا الموج شهراً ، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه ، فجلسنا في أقربها ، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر ، فقلنا : ويلك ما أنت ؟ فقالت : أنا الجساسة ، قلنا : وما الجساسة ؟ قالت : اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق ، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها ، ولم نأمن أن تكون شيطانة ، فقال : أخبروني عن نخل بيسان ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ، قال : أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له : نعم ، قال : أما إنه يوشك أن لا تثمر ، قال : أخبروني عن بحيرة الطبرية ، قلنا : عن أي شأنها تستخبر ، قال : هل فيها ماء ؟ قالوا : هي كثيرة الماء ، قال : أما إن ماءها يوشك أن يذهب ، قال : أخبروني عن عين زغر ، قالوا : عن أي شأنها تستخبر ، قال : هل في العين ماء ، وهل يزرع أهلها بماء العين ، قلنا له : نعم ، هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها ، قال : أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا : قد خرج من مكة ونزل يثرب ، قال : أقاتله العرب ؟ قلنا : نعم ، قال : كيف صنع بهم ، فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه ، قال لهم : قد كان ذلك ، قلنا : نعم ، قال : أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه ، وإني مخبركم عني ، إني أنا المسيح ، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج ، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة ، فهما محرمتان علي كلتاهما ، كلما أردت أن أدخل واحدة أو واحدا منهما استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها ، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها ، قالت - أي فاطمة - : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطعن بمخصرته في المنبر ، هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة - يعني المدينة - ألا هل كنت حدثتكم ذلك ؟ فقال الناس : نعم ، فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ، ألا إنه في بحر الشأم أو بحر اليمن ، لا بل من قبل المشرق ، ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو ، وأومأ بيده إلى المشرق ) ، قالت فحفظت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .
وقد جعل الأئمة والحفاظ رواية النبي - صلى الله عليه وسلم- لهذه القصة من مناقب تميم رضي الله عنه ، ومن رواية الأكابر عن الأصاغر ، كما فعل الحافظ ابن حجر في ترجمته في الإصابة ( 1/368) ، وفتح الباري ( 12/46) ، والإمام النووي في شرح مسلم ، قال الحافظ في الإصابة : " مشهور في الصحابة كان نصرانيا ، وقدم المدينة فأسلم ، وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصة الجساسة والدجال ، فحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه بذلك على المنبر وعُدَّ ذلك من مناقبة " .

وقال النووي عن الحديث : " هذا معدود في مناقب تميم لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- روى عنه هذه القصة ، وفيه رواية الفاضل عن المفضول ، ورواية المتبوع عن تابعه ، وفيه قبول خبر الواحد " .


ومع ذلك فقد طعن فيه " أبو رية " في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " وعقد فصلاً تحت عنوان " المسيحيات في الإسلام " زعم فيه أن حديث الجساسة من مسيحيات الصحابي الجليل تميم الداري الذي أراد أن يلوث الدين الإسلامي بإدخال المسيحيات فيه على حد زعمه ، بل قال : " إذا كانت الإسرائيليات قد لوثت الدين الإسلامي بمفترياتها ، فإن المسيحيات كان لها كذلك نصيب مما أصاب هذا الدين ، وأول من تولى كبر هذه المسيحيات هو تميم بن أوس الداري .... " ثم عرض لأحاديث زعم أنها من المسيحيات ومنها حديث الجساسة ، الذي تهكم به ساخراً ومستهزئا بقوله : " لعل علماء الجغرافيا يبحثون عن هذه الجزيرة ويعرفون أين مكانها من الأرض حتى نرى ما فيها من الغرائب التي حدثنا بها سيدنا تميم الداري " .
ثم استدل على صدق دعواه بكلام نقله عن الشيخ " رشيد رضا " أساء فيه النقل عنه ، وقدم وأخر ، واختصر في القول بما يؤيد دعواه ، مع أنه ليس في كلام الشيخ التصريح بكذب القصة ، ولا بتكذيب تميم رضي الله عنه .

ويمكن تلخيص الشبه المثارة حول الحديث فيما يلي :

أن الحديث بطوله ومشكلاته وغرائبه انفرد مسلم بإخراجه ، وانفردت فاطمة بنت قيس براويته عن النبي - صلى الله عليه وسلم – .
مع أن إخراج مسلم له في الصحيح كافٍ في الحكم عليه بالصحة ووجوب قبوله ، لما علم من مكانة أحاديث الصحيح وتلقي الأمة لها بالقبول ، والحديث رجاله ثقات عدول لا مطعن في واحد منهم ، ومع ذلك فقد رواه غير مسلم الإمام أحمد ، و أبو يعلى ، و أبو داود ، و ابن ماجه ، ورواه غير فاطمة بنت قيس من الصحابة : أبو هريرة ، و عائشة ، و جابر رضوان الله عليهم ، مما يدل على تعدد مخرجه وكثرة طرقه ، فالحديث لم ينفرد به الإمام مسلم ، ولم تنفرد بروايته فاطمة بنت قيس .
قال الحافظ رحمه الله في الفتح ( 13/328 ) : " وقد توهم بعضهم أنه غريب فرد ، وليس كذلك ..... ثم أخذ في ذكر طرق الحديث ومن رواه من الصحابة " .
ومن الشبه المثارة حول الحديث أن رواية النبي - صلى الله عليه وسلم – له عن تميم لا تلحقه بما حدَّث به من تلقاء نفسه ، ولا تدل على تصديقه للقصة أو إقراره بصحتها .
وعلى فرض التصديق والإقرار ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم – لم يكن يعلم الغيب ، وهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تحف به شبهة ، وتصديق الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين ولا يترتب عليه حكم شرعي ليس من الأمور التي يعصم عنها الأنبياء .
وهذا الادعاء بأن الحديث لا يدخل تحت التقرير غير مسلَّم لأن التقرير كما عرفه أهل العلم من الأصوليين وغيرهم : " أن يسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إنكار قول قيل ، أو فِعْلٍ فُعِلَ بين يديه أو في عصره وعلم به " ، و قد حدَّث النبي - صلى الله عليه وسلم – بهذا الحديث على المنبر ، وفي جمع من الصحابة ، واعتبره موافقاً لما كان يحدثهم به عن المسيح الدجال وغيره من أشراط الساعة الكبرى ، فكيف يقال بأن مثل هذا لا يدخل تحت التقرير ؟! .
قال الحافظ رحمه الله في الفتح (13/323) : " وقد اتفقوا على أن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار ، يدل على الجواز لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل في حق غيره مما يترتب على الإنكار فلا يقر على باطل " أهـ .
وأما الزعم بأنه ليس من أمور الدين التي يعصم الأنبياء عن تصديق الكاذب فيها فهو أشد امتناعاً ، إذ كيف لا نعتبر أخبار أشراط الساعة وقضايا الإيمان باليوم الآخر من أمور الدين ، وهل جاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا لبيان ذلك ؟! .
ثم لو كان ما حدث به تميم رضي الله عنه كذباً ، فهل من الممكن أن يسكت الوحي عن بيان الحق فيما أخبر به ، خصوصاًَ وأن الأمر يتعلق بمسألة غيبية ، كما حدث في كثير من الحالات ، حينما كان المنافقون وأضرابهم يقولون خلاف ما يبطنون ، فينزل الوحي فاضحاً لهم ومبيناً كذبهم .
على أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قد أخبر في غير ما حديث ، بالدجال ، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان ، حكماً عدلاً بشريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ، وعلى يديه يكون قتل الدجال ، وكل هذا مروي من طرق متكاثرة في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن المعتمدة ، فإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذه الأشراط لم يكن متوقفاً على إخبار تميم رضي الله عنه ، وإنما انتهز النبي - صلى الله عليه وسلم - فرصة تحديث تميم بهذه القصة ليبين لهم أن ما حدَّثهم به حقٌ وواقع لا شك فيه .
وعلى التسليم بأن هذا الحديث من الإسرائيليات ، فهو من النوع الصحيح المقبول الذي ينبغي تصديقه لموافقته لما جاء في شريعتنا ، يشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ) ، وقد فسر جمع من المفسرين الدابة الواردة في قوله تعالى :{وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون }( النمل 82) بأنها الجساسة التي ورد ذكرها في حديث تميم كما هو مروي عن عبد الله بن عمرو ، وإذا كان الأمر كذلك فيكون في الآية تصديق لهذا الحديث ، لا سيما وأن الآية لا تنفي وجودها قبل يوم القيامة ، فإن المعلق على وقع القول خروج الدابة لا وجودها ، فقد تكون موجودة قبل هذا .
فما هي الخلاصة هل صح الحديث؟
فالخلاصة أن الحديث صحيح ، ومؤيد لأحاديث الدجال وأشراط الساعة ، واتهام تميم رضي الله عنه بالكذب وتلويث الإسلام ، طعن في هذا الصحابي الجليل الذي تشهد له سيرته بالزهد والعبادة والصلاح ، بل هو طعن في النبي - صلى الله عليه وسلم – ورسالته ، وكفى بذلك إثماً وبهتاناً مبيناً .

-----------------------------------------------------------
 محمود أبو رية . . ولد عام 1889 وتوفي بجيزة القاهرة عام 1970 م

[كتاب أضواءٌ على السنّةِ المُحمّديّةِ " ، هاجمَ فيهِ السنّةَ النبويّةَ ، وخلصَ إلى أنّها غيرُ ملزمةٍ لأحدٍ في العملِ بها ، وتطاولَ كذلكَ على الصحابةِ الكِرامِ ، وخصَّ من كتابهِ جزءً كبيراً في الهجومِ على الصحابيِّ الفقيهِ الإمامِ الربّانيِّ : أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ - ، وكتبَ فيهِ ما لم يكتبهُ كثيرٌ من علوجِ المُستشرقينَ ولا ضُلاّلِ الروافضِ من الهجومِ على الصحابةِ ، ولم يبقَ وصفٌ من صفاتِ السوءِ والدناءةِ إلا حطّهُ على أبي هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ - ، وكانَ من جملتها اتهامهُ بالكذبِ صراحةً ، وبوضعِ الحديثِ واختلاقهِ .

وقد استقى كتابهُ السالفَ من مجموعةٍ من المراجعِ ، وكانَ على رأسِها كتابٌ لأحدِ علماءِ الرافضةِ ، وهو الشيخُ : عبدُ الحسينِ شرفُ الدّينِ ، وكتابهُ هو " أبو هريرةَ " ، وفي هذا الكتابِ خلصَ المؤلّفُ الرافضيِّ – عاملهُ اللهُ بما يستحقُّ – إلى أنَّ أبا هريرةَ – رضيَ اللهُ عنهُ – كانَ منافقاً كافراً ! ، ألا لعنةُ اللهِ على الظالمينَ .

وأمّا الفيصلُ الذي كانَ يُحاكمُ السنّةَ الصحيحةَ إليهِ في كتابهِ ، فهو العقلُ ، فالعقلُ – كما زعمَ – هو الحاكمُ والميزانُ العدلُ في نقدِ السنّةِ ، وبيانِ صحيحِها من سقيمِها .

وقد أحسنَ العلاّمةُ الشيخُ : مُصطفى السباعيُّ – برّدَ اللهُ مضجعهُ – في وصفِ أبي ريّةَ وكِتابهِ هذا ، عندما قالَ : " هذا هو أبو ريّةَ على حقيقتهِ ، جاهلٌ يبتغي الشُهرةَ في أوساطِ العلماءِ ، وفاجرٌ يبتغى الشهرةَ بإثارةِ أهلِ الخيرِ ، ولعمري إنَّ أشقى النّاسِ من ابتغى الشهرةَ عندَ المنحرفينَ والموتورينَ بلعنةِ اللهِ والملائكةِ والنّاسِ أجمعينَ " .

إنَّ من أعجبَ العجبِ أن يشتهرَ كتابُ أبي ريّةَ ، فيصلَ إلى جميعِ جامعاتِ أوروبّا وأمريكا ،لأنه يطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولاتجد من يترجم له ويترحم عليه0
إنّها لحظةُ الموتِ وسكراتِهِ ، حيثُ لا يخفى شيءٌ من الحالِ ، وصدقَ الإمامُ أحمدُ – أعلى اللهُ درجتهُ في الجنّةِ - : " قولوا لأهلِ البدعِ بيننا وبينكم الجنائزُ " .

فكانتْ هذه خاتمتهُ ونهايةَ أمرهِ في الدّنيا :
يقول احد طلاب العلم كما نقلته :
سمعتُ من شيخي العلاّمةِ : مُحمّدِ بنِ مُحمّدٍ المُختارِ الشنقيطيِّ – متّعهُ اللهُ بالعافيةِ – في مجالسَ مُتعدّدةٍ ، أنَّ أبا ريّةَ عندما كانَ في وقتِ النزعِ الأخيرِ ، وساعةِ الاحتضارِ ، حضرهُ نفرٌ من النّاسِ ، ورأوهُ وقد اسودَّ وجههُ – والعياذُ باللهِ – وكان يصرخُ مرعوباً فزِعاً بصوتٍ عالٍ ، وهو يقولُ : آه ! ، آه ! ، أبا هريرةَ أبا هريرةَ ، حتّى ماتَ على تلكَ الحالِ .
اللهمَّ إنّا نعوذُ بكَ من الخذلانِ والضلالِ .
إنَّ اللهَ ليغارُ على أوليائهِ
.
 ------------------------------------------------------------------
 ومن هذه الدعاوى

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق (1/ 278) : أنبأنا أبو طاهر محمد بن الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي أنا أبو القاسم قراءة عليه أنا أبو علي الحسن بن محمد بن درستوية إجازة وأخبرنا أبو الفضائل ناصر بن محمود القرشي نا علي بن أحمد بن زهير نا علي بن محمد بن شجاع نا أبو علي الحسن بن محمد بن درستوية نا أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمارة العطار نا إبراهيم بن سعيد الجوهري نا عبد الله بن نمير عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد عن تبيع عن كعب قال أهل الشام سيف من سيوف الله ينتقم الله بهم ممن عصاه
أقول :

أورد أبو رية هذا الخبر طاعناً فيه على كعب الأحبار بالتزلف إلى أهل الشام ، ولا يصح إليه فإن فيه عبد الله بن مسلم بن هرمز اتفقوا على ضعفه وبعضهم تركه ، ولو صح فلا شيء فيه .فإن فضل الشام ثابتٌ في القرآن والأحاديث المستفيضة .
قال الله تعالى :{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
فوصف الأرض التي حول المسجد الأقصى بأنها مباركة 

-----------------------------------------------------------------------
ومنها أيضا:
قال الآجري في الشريعة[ 1359 ] : وحدثنا أبو حفص عمر بن سهل بن مخلد البزار من كتابه قال : حدثنا أبو السائب سلم بن جنادة بن سلم بن خالد بن جابر بن سمرة قال : حدثني سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف قال : حدثني أبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن المسور بن مخرمة ، عن أمه وكانت أمه عاتكة بنت عوف قالت : خرج عمر بن الخطاب يوما يطوف في السوق فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة وكان نصرانيا فقال : يا أمير المؤمنين ، أعدني على المغيرة بن شعبة فإن علي خراجا كثيرا قال : فكم خراجك ؟ قال : درهمان في كل يوم قال : وأي شيء صناعتك ؟ قال : نجارا نقاشا حدادا قال : ما أرى خراجك بكثير على ما تصنع من الأعمال ، ثم لقد بلغني أنك تقول لو أردت أن أعمل رحى تطحن بالريح فعلت قال : نعم قال : فاعمل لي رحى قال : لأن سلمت لأعملن لك رحى يتحدث بها من بالمشرق والمغرب قال : ثم انصرف عمر إلى منزله فلما كان من الغد جاءه كعب الأحبار فقال له : يا أمير المؤمنين ، اعهد ، فإنك ميت في ثلاثة أيام قال : وما يدريك ؟ قال : أجده في كتاب الله عز وجل التوراة قال عمر : آلله إنك تجد عمر بن الخطاب في التوراة ؟ قال : اللهم لا ، ولكن أجد صفتك وحليتك ، وأنه قد فني أجلك قال وعمر لا يحس وجعا ، ولا ألما قال : فلما كان الغد جاءه كعب فقال : يا أمير المؤمنين ، ذهب يوم وبقي يومان قال : ثم جاءه الغد فقال : يا أمير المؤمنين ، ذهب يومان وبقي يوم وليلة ، وهي لك إلى صبيحتها قال ، فلما كان في الصبح خرج عمر بن الخطاب إلى الصلاة ، وكان يوكل بالصفوف رجالا فإذا استووا دخل هو فكبر قال : ودخل أبو لؤلؤة في الناس في يده خنجر له رأسان ، نصابه في وسطه ، فضرب عمر ست ضربات ، إحداهن تحت سرته ، هي التي قتلته ، وقتل معه كليب بن وائل بن البكير الليثي ، كان حليفهم ، فلما وجد عمر حر السلاح سقط ، وقال : أفي الناس عبد الرحمن بن عوف ؟ قالوا : نعم هو ذا قال : فتقدم بالناس فصلى قال : فصلى عبد الرحمن وعمر طريح ؟ قال : ثم احتمل فأدخل إلى داره ، ودخل عبد الرحمن بن عوف ، فقال : إني أريد أن أعهد إليك قال : يا أمير المؤمنين إن أشرت علي قال : وما تريد ؟ قال : أنشدك بالله أتشير علي بذلك ؟ قال : اللهم لا قال : إذن والله لا أدخل فيه أبدا قال : فهبني صمتا حتى أعهد إلى النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، أدع لي عليا وعثمان والزبير وسعدا ؛ قال : وانتظروا أخاكم طلحة ثلاثا فإن جاء ، وإلا فاقضوا أمركم ، أنشدك الله يا علي ، إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني هاشم على رقاب الناس ، أنشدك الله يا عثمان ، إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل بني أبي معيط على رقاب الناس ، أ نشدك الله يا سعد ، إن وليت من أمور الناس شيئا أن تحمل أقاربك على رقاب الناس ، قوموا فتشاوروا ، ثم اقضوا أمركم ، وليصل بالناس صهيب ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فقال : قم على بابهم فلا تدع أحدا يدخل إليهم ، وأوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم أن يقسم عليهم فيئهم ، ولا يستأثر عليهم ، وأوصى الخليفة من بعدي بالأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم أن يحسن إلى محسنهم ، وأن يعفو عن مسيئهم ، وأوصى الخليفة من بعدي بالعرب فإنهم مادة الإسلام ، أن تؤخذ صدقاتهم من حقها ، وتوضع في فقرائهم ، وأوصي الخليفة من بعدي بذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يوفي لهم بعهدهم ، اللهم هل بلغت تركت الخليفة بعدي على أنقى من الراحة ، يا عبد الله بن عمر ، اخرج إلى الناس فانظر من قتلني قال : يا أمير المؤمنين ، قتلك أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال : الحمد لله الذي لم يجعل قتلي بيد رجل سجد لله سجدة واحدة يا عبد الله بن عمر ، اذهب إلى عائشة رضي الله عنها فسلها أن تأذن لي أن أدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، يا عبد الله ، إن اختلف الناس فكن مع الأكثر ، وإن كانوا ثلاثة وثلاثة ، فكن في الحزب الذي فيه عبد الرحمن بن عوف يا عبد الله بن عمر ، ائذن للناس فجعل يدخل عليه المهاجرين والأنصار يسلمون عليه ويقول لهم : أعن ملاء منكم كان هذا ؟ فيقولون : معاذ الله . قال : ودخل في الناس كعب الأحبار ، فلما نظر إليه عمر أنشأ يقول : وأوعدني كعب ثلاثا أعدها ولا شك أن القول ما قاله كعب وما بي حذار الموت إني لميت ولكن حذار الذنب يتبعه الذنب فقيل له : يا أمير المؤمنين ، لو دعوت طبيبا ؛ قال : فدعي بطبيب من بني الحارث بن كعب ، فسقاه نبيذا فخرج النبيذ يعني مع الدم قال : فاسقوه لبنا ، فخرج اللبن أبيض فقيل له : يا أمير المؤمنين ، اعهد ، قال : قد فرغت ثم توفي ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين قال : فخرجوا به بكرة يوم الأربعاء ، فدفن في بيت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه وتقدم صهيب فصلى عليه وذكر الحديث بطوله.
وسند الآجري فيه تشويش وأضبط منه سند الطبري :حيث قال الطبري في تاريخه (3/363) : حدثني سلم بن جنادة قال حدثنا سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف قال حدثنا أبي عن عبدالله بن جعفر عن أبيه عن المسور بن مخرمة به
أقول : وعبد العزيز بن أبي ثابت متروك له ترجمة حافلة في تهذيب الكمال (18/ 180)
وقد أورد أبو رية هذا الخبر زاعماً أن كعباً خطط لقتل عمر ! ، لهذا عرف متى يموت !
وقال ابن سعد في الطبقات (3/332): أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله ابن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب دعا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وكانت تحته ، فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين هذا اليهودي ، تعني كعب الأحبار ، يقول إنك على باب من أبواب جهنم، فقال عمر : ما شاء الله ، والله إني لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيدا.
ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب قال : يا أمير المؤمنين لا تعجل علي ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة.
فقال عمر : أي شيء هذا ؟ مرة في الجنة ومرة في النار ، فقال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة.
أقول : سعد الجاري مجهول ، ولا شيء في هذا الخبر ، وقد أورده أبو رية
قال الحافظ في الإصابة (5/ 496) :" وأخرج ابن أبي خيثمة بسند حسن عن قتادة قال بلغ حذيفة أن كعبا يقولان السماء تدور على قطب كالرحى فقال كذب كعب أن الله يقول {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} "

أقول : قتادة لم يدرك كعباً ولا حذيفة إذ لم يدرك من الصحابة إلا أنس وعبد الله بن سرجس ، وفي هذا الخبر الذي أورده أبو رية طاعناً ما يدل على أن الصحابة كانوا ينقدون ما يذكر كعبٌ .
وهذا الخبر وإن لم يصح عن حذيفة فقد صح عن عبد الله بن مسع

-------------------------------------------------------------


 ومنه ايضا :

وقال ابن سعد في الطبقات (3/332): أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله ابن دينار عن سعد الجاري مولى عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب دعا أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وكانت تحته ، فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين هذا اليهودي ، تعني كعب الأحبار ، يقول إنك على باب من أبواب جهنم، فقال عمر : ما شاء الله ، والله إني لأرجو أن يكون ربي خلقني سعيدا.
ثم أرسل إلى كعب فدعاه، فلما جاءه كعب قال : يا أمير المؤمنين لا تعجل علي ، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة.
فقال عمر : أي شيء هذا ؟ مرة في الجنة ومرة في النار ، فقال : يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقعوا فيها فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة.
أقول : سعد الجاري مجهول ، ولا شيء في هذا الخبر ، وقد أورده أبو رية
قال الحافظ في الإصابة (5/ 496) :" وأخرج ابن أبي خيثمة بسند حسن عن قتادة قال بلغ حذيفة أن كعبا يقولان السماء تدور على قطب كالرحى فقال كذب كعب أن الله يقول {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} "

أقول : قتادة لم يدرك كعباً ولا حذيفة إذ لم يدرك من الصحابة إلا أنس وعبد الله بن سرجس ، وفي هذا الخبر الذي أورده أبو رية طاعناً ما يدل على أن الصحابة كانوا ينقدون ما يذكر كعبٌ .
وهذا الخبر وإن لم يصح عن حذيفة فقد صح عن عبد الله بن مسعود
قال ابن جرير في تفسيره[ 22212 ] : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : جاء رجل إلى عبدالله ، فقال : من أين جئت ؟ قال : من الشام ، قال : من لقيت ؟ قال : لقيت كعبا ، فقال : ما حدثك كعب ؟ قال : حدثني أن السموات تدور على منكب ملك ، قال : فصدقته أو كذبته ؟ قال : ما صدقته ولا كذبته ، قال : لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها ، وكذب كعب إن الله يقول : { إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده} .

أقول : وقوله ( كذب كعب ) من باب ( أخطأ كعب ) كقول النبي صلى الله عليه وسلم ( كذب أبو السنابل ) ، وقول ابن عباس في نوف البكالي
( كذب عدو الله ) ، ولهذا وثق بقية الصحابة كعباً ورووا عنه ، وعلى هذا المعنى يخرج قول معاوية ( وإنا لنبلو عليه بعض الكذب
)
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
وقال ابن جرير في تاريخه (2/309) :" وعن رجاء بن حيوة ، عمن شهد ؛ قال : لما شخص عمر من الجانية إلى إيلياء ، فدنا من باب المسجد ، قال: ارقبوا لي كعباً ، فلما انفرق به الباب ، قال : لبيك ، اللهم لبيك ، بما هو أحب إليك ! ثم قصد المحراب ؛ محراب داود عليه السلام ، وذلك ليلاً ، فصلى فيه ، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن بإقامة ، فتقدم فصلى بالناس، وقرأ بهم [ص] ، وسجد فيها ، ثم قام ، وقرأ بهم في الثانية صدر [ بني إسرائيل ] ، ثم ركع ثم انصرف ، فقال : على بكعب ، فأتى به ، فقال : أين ترى أن نجعل المصلى ؟ فقال : إلى الصخرة ، فقال : ضاهيت والله اليهودية يا كعب ، وقد رأيتك ، وخلعك نعليك ، فقال: أحببت أن أباشره بقدمي ، فقال : قد رأيتك ، بل نجعل قبلته صدره ، كما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلة مساجدنا صدورها ، اذهب غليك ، فإنا لم نؤمر بالصخرة ، ولكنا أمرنا بالكعبة ، فجعل قبلته صدره ، ثم قام من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل ؛ فلما صار إليهم أبرزوا بعضها، وتركوا سائرها ، وقال: يا أيها الناس ، اصنعوا كما أصنع ، وجثا في أصلها ، وجثا في فرج من فروج قبائه ، وسمع التكبير من خلفه ، وكان يكره سوء الرعة في كل شيء فقال: ما هذا ؟ فقالوا : كبر كعب وكبر الناس بتكبيره فقال : علي به فأتى به ، فقال : يا أمير المؤمنين ؛ إنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة ، فقال: وكيف ؟ فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل ، فأديلوا عليهم، فدفنوه ، ثم أديلوا فلم يفرغوا ثم أدليت الروم عليهم إلى أن وليت ، فبعث الله نبياً على الكناسة ، فقال: أبشرى أورى شلم! عليك الفاروق ينقيك مما فيك.
وبعث إلى القسطنطينية نبي ؛ فقام على تلها ، فقال : يا قسطنطينية ، ما فعل أهلك ببيتي! أخرجوه وشبهوك كعرشي ؛ وتأولوا علي ، فقد قضيت عليك أن أجعلك جلحاء يوماً ما ، لا يأوي إليك أحد ، ولا يستظل فيك على أيدي بني القاذر سبأ وودان ؛ فما أمسوا حتى ما بقي شيء "

أقول : في سنده إبهام كما ترى , وطرقه الأخرى لا تقويه فهاكها :

وقال أبو عبيد في الأموال [ 384 ] : وحدثني هشام بن عمار ، عن الهيثم بن عمران العنسي ، قال : سمعت جدي عبد الله بن أبي عبد الله ، يقول : لما ولي عمر بن الخطاب زار أهل الشام ، فنزل الجابية ، وأرسل رجلا من جديلة إلى بيت المقدس ، فافتتحها صلحا ، ثم جاء عمر ومعه كعب ، فقال : يا أبا إسحاق ، أتعرف موضع الصخرة ؟ فقال أذرع من الحائط الذي يلي وادي جهنم كذا وكذا ذراعا ، ثم احتفر ، فإنك تجدها ، قال : وهي يومئذ مزبلة فحفروا فظهرت لهم ، فقال عمر لكعب : أين ترى أن نجعل المسجد ؟ - أو قال : القبلة - فقال : اجعلها خلف الصخرة ، فتجمع القبلتين : قبلة موسى عليه السلام ، وقبلة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضاهيت اليهودية يا أبا إسحاق ، خير المساجد مقدمها قال : فبناها في مقدم المسجد.

أقول : عبد الله بن أبي عبد الله شامي مجهول ، وقد يكون هو الساقط في خبر رجاء ، وهشام كبر فصار يلقن فيتلقن ، ولا أظن عبد الله أدرك عمر أو كعباً فإن كعباً متقدم الوفاة جداً فقد مات سنة 32 أي مات قبل عثمان بن عفان , والمتن هنا مختلف كثيراً عن المتن السابق .

وقال ابن كثير في تفسيره :" قال الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر، حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان ، عن عبيد بن آدم وأبي مريم وأبي شعيب ؛ أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، كان بالجابية ، فذكر فتح بيت المقدس قال : قال أبو سلمة : فحدثني أبو سنان ، عن عبيد بن آدم قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لكعب : أين ترى أن أصلي ؟ قال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ، فكانت القدس كلها بين يديك ، فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية ، لا ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم إلى القبلة، فصلى ثم جاء فبسط رداءه وكنس الكناسة في ردائه ، وكنس الناس"

أقول : عيسى بن سنان أبو سنان شامي ضعيف ، وعبيد بن آدم شامي مجهول عين انفرد عنه أبو سنان الضعيف ، وقد يكون هو الساقط في الخبرين السابقين .
فالخلاصة : أن هذا الخبر مداره على المجاهيل والمبهمين .
وقال الكوثري في تبديد الظلام ص274:" أخرجه أبو إسماعيل الهروي في الفاروق عن كعب : إن الله نظر إلى الأرض فقال إني واطئ على بعضك فاستبقت له الجبال وتضعضعت الصخرة فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه فقال هذا مقامي . . ا ه‍ "

أقول : وهذا الخبر أورده أبو رية طاعناً على كعب ، ولا سند له ، ولو صح فليس فيه ما يمتنع

وقال ابن جرير في تفسيره حدثني يونس ، قال : أخبرنا عبد الله بن يوسف ، قال : ثنا عبد الله بن لهيعة ، قال : ثنا أبو الأسود ، عن عروة ، قال : كنا قعودا عند عبد الملك حين قال كعب : إن الصخرة موضع قدم الرحمن يوم القيامة ، فقال : كذب كعب ، إنما الصخرة جبل من الجبال ، إن الله يقول { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا } فسكت عبد الملك.

أقول : هذا خبرٌ منكر فإن كعباً لما مات كان عمر عبد الملك بن مروان سبع سنين ، فقد ذكر ابن سعد في الطبقات أن عمره كان عشر سنين يوم الدار ، وكان عبد الملك في أول حياته في المدينة ، فأين حصل هذا اللقاء ؟

وأما عروة فكان عمره عند وفاة كعب تسع سنين فقد ولد عام 23 ومات كعب عام 32 وهو مدني أيضاً.
إلا أن يكون عبد الملك قد روى هذا الخبر عن كعب رواية ، ولم يكن كعب حاضراً ، فيكون مرسلاً والله أعلم .

والحمل عندي في هذا الخبر على ابن لهيعة ، فإن له مناكير حتى قبل الاختلاط ، ضعفه مطلقاً من أجلها جمعٌ من الأئمة ثم إنه مذكور بالتدليس

وَقَال عبد الرحمن بن أَبي حاتم : سئل أبو زُرْعَة عن ابن لَهِيعَة سماع القدماء منه ؟ فقال : آخره وأوله سواء إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه ، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ ، وكان ابن لَهِيعَة لا يضبط ، وليس ممن يحتج بحديثه (الجرح والتعديل : 5 / الترجمة 682).

وَقَال ابن حبان في [ المجروحين ] :" كان شيخا صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه. وَقَال أيضا : قد سبرت أخبار ابن لَهِيعَة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا وما لا أصل له من رواية المتقدمين كثيرا "


وقال أبو رية في أضواء على السنة المحمدية ص296 : " وعن أبي هريرة - تلميذ كعب الأحبار - أن النبي قال : الأنهار كلها والسحاب والبحار والرياح تحت صخرة بيت المقدس وقال كعب : قال الله عز وجل لبيت المقدس : أنت جنتي وقدسي وصفوتي من بلادي ، من سكنك فبرحمة مني ، ومن خرج منك فبسخط مني عليه "

وهذا الحديث موضوع أورده ابن الجوزي في الموضوعات (2/51) :"
باب ذكر الأماكن في الفضائل والمثالب - باب في مدح مدن وذم مدن
أنبأنا إسماعيل بن أحمد أنبأنا ابن مسعدة أنبأنا حمزة أنبأنا ابن عدي حدثنا يحيى بن على بن هاشم حدثني محمد بن إبراهيم بن أبى سكينة حدثنا الوليد بن محمد حدثنا الزهري حدثنا سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أربع مدائن من مدن الجنة في الدنيا : مكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق وأربع مدائن من مدن النار في الدنيا : القسطنطينية والطيرانية وأنطاكية والمحترقة وصنعاء ، وإن من المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة بيت المقدس " . هذا حديث لا أصل له . قال أحمد بن حنبل : الوليد ليس بشيء "

والخبر المذكور عن كعب الأحبار لا أصل له عنه

وقال في ص305 :" مع هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة - إذا حدث بعض أعيان التابعين عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كعطاء بن أبى رباح والحسن البصري وأبى العالية ونحوهم - وهم من خيار علماء المسلمين وأكابر أئمة الدين -توقف أهل العلم في مراسيلهم فمنهم من يرد المراسيل مطلقا ، ومنهم من يتقبلها بشروط ، إلى أن قال : وهؤلاء ليس بين أحدهم وبين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلا رجل ، أو رجلان ، أو ثلاثة مثلا . وأما ما يوجد في كتب المسلمين في هذه الأوقات من الأحاديث التي يذكرها صاحب الكتاب مرسلة ، فلا يجوز الحكم بصحتها باتفاق العلماء – فكيف بما ينقله كعب الأحبار وأمثاله عن الأنبياء"

أقول : أوردت هذا النص لأبين تناقض القوم ، فالعقلانيون يردون الأسانيد الصحيحة إذا خالفت عقولهم ، ثم يستدلون بالواهيات التي لا تصح عقلاً ولا نقلاً إذا وافقت هواه
ولم يكن الصحابة والتابعون يتدينون بالأخبار المنقولة عن التوراة
قال شيخ الإسلام في كتاب [ الاستغاثة في الرد على البكري ص 323 ] : فلما رخص في الحديث عن بني إسرائيل استجاز ذلك عبد الله بن عمرو
وعبد الله بن عباس وغيرهما ولكن لا يأخذون من ذلك ديناً لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال : كان أهل الكتاب يقرءون التوراة ثم يفسرونها بالعربية فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم . اهــ

قلت : فهذا أبو هريرة الذي يظهره أبو رية بصورة الكلف الشغوف بالإسرائيليات يروي هذا الخبر الذي يوجب التوقف فيها ما لم توافق شرعنا .

وفي نسخة وكيع عن الأعمش جاء ما يلي [34 ] : عن الأعمش ، عن أبي صالح ، قال : كان الحادي يحدو بعثمان ، ويقول : إن الأمير بعده علي وفي الزبير خلف رضي قال : فقال كعب : بل هو صاحب البغلة الشهباء ، يعني : معاوية ، فبلغ ذلك معاوية ، فأتاه ، فقال : يا أبا إسحاق ما تقول هذا ؟ وههنا علي ، والزبير وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أنت صاحبها .

أقول : أبو صالح السمان لم يدرك كعباً فقد نصوا على أنه لم يدرك أبا ذر ، وأبو ذر وكعب توفوا في عامٍ واحد ، وأبوصالح السمان كوفي مدني ، وكعب شامي

وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (1/73) : حدثني محمد بن زرعة الرعيني قال: حدثنا مروان بن محمد قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس. وقال لكعب: لتتركن الأحاديث، أو لألحقنك بأرض القردة. وقد سمعت أبا مسهر يذكر عن سعيد بن عبد العزيز نحواً منه، ولم يسنده.
أقول : محمد بن زرعة الرعيني وثقه العجلي وابن حبان ، ولم أجد أحداً وثقه معهم ، وقد خالفه أبو زرعة الثقة الثبت فروى الخبر عن أبي مسهر الثقة الثبت أيضاً عن سعيد ولم يسنده ( أي رواه منقطعاً ) ، وهذا أصح ولا شك فيكون الخبر ضعيفاً

 ---------------------------------------------------------------------


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق