السبت، 17 ديسمبر 2011

الشتاء وأحكام الطهارة والصلاة

الشتاء وأحكام الطهارة والصلاة
الحمد الله فاطر السموات والأرض خالق الليل والنهار لا تدركه الإسماع ولا الأبصار سبحانه من اقتضت حكمته سبحانه تغير الفصول والأحوال لقوله تعالى (نَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ [ البقرة :164]
وقوله تعالى( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لوالى الألباب ) [ آل عمران :190] وقوله تعالى ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق ) [فصلت : 53]
احمده سبحانه واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واصلي واسلم على خير الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى اله وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم إلى يوم الدين .
أما بعد : فإن من آيات الله الكونية حدوث الفصول الأربعة بقدرته سبحانه وتعالى ويختلف كل فصل في أحواله المناخية وما يترتب عليه من أحوال معاشية ، والحرارة والبرودة علقها الله بآية عظيمة من مخلوقاته ألا وهي الشمس ، وهي تطلع كل يوم من مطلع وتغرب من مغرب ومع اختلاف مطالعها ومغاربها كل يوم وحرارتها لا تتغير بذاتها في كل وقت وكل فصل منذ أن خلقها الله إلى أن يشاء ربها لكن التغير لذي يحدث ويلمسه الإنسان وله اثر عليه وعلى الحيوان و النبات إنما هو بحسب سقوط أشعة الشمس ودرجة زاوية السقوط من العمودية إلى الميلان تجعل المكان حارا أو معتدلا أو باردا ولهذا اختلفت المواقع والبلدان والأيام واختلفت معها مظاهر الحياة لمناخية والنباتية وغيره على سطح الأرض .
وفصل الشتاء من فصول العام المتغير بانخفاض درجات الحرارة فيه وهو فصل ينشئ الله فيه الرياح التي تسوق السحب بإذنه تعالى فتسقط أمطاراً وربما ثلوجا و برداً في أماكن معينة من الأرض ويكون فصل جاف في مناطق أخرى من الأرض يقول الله تعالى ( انزل الله من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابيا ...) ] الرعد 17 [ وقوله تعالى ( الم ترى أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ) ] النور الآية 43[
أولاً : الطهارة
1- الأجر على قدر المشقة
تتغير درجات الحرارة في فصل الشتاء بمشيئة الله ويصبح الهواء بارداً و ويبرد اليابس والماء بدرجات متفاوتة قبل طلوع الشمس وبعدها وتزيد مشقة الوضوء ويزيد معه الأجر لقوله صلى الله عليه وسلم ( ثلاث كفارات ... وإسباغ الوضوء في السبرات. وقال المناوئ في(القدير 3/307) السبرات هي شدة البرد.
وعن عثمان رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ((من توضأ لصلاة وأسبغ الوضوء ... غفر الله له ذنوبه)) [رواه مسلم وغيره رقم232]
وعن علي رضي الله عنه قال: إسباغ الوضوء على المكاره وأعمال الأقدام إلى المساجد يغسل الخطايا غسلا )[صحيح الترغيب للألباني في [ 6/82]
ودلت أحكام الشتاء في السنة المطهرة على الترغيب في إسباغ الوضوء وانه مأمور به شرعاً مطلقاً كما في قوله صلى الله عليه وسلم (أسبغو الوضوء ) الذي[ رواه مسلم رقم24 عن عبدا لله بن عمرو بن العاص ] ويزداد الأجر عند البرد والمشقة التي تحصل للمسلم خاصة فيمن لا يجد ما يسخن به ماء الوضوء البارد سواء كان في المنازل أو المساجد 0
وأما من حيث ما هو المقصود بإسباغ الوضوء الذي ورد في الأحاديث المتقدمة : فهو إتمامه على الأعضاء تامً كاملاً وزيادة على مقدار الواجب وثوب سابغ واسع .[ انظر جامع الأصول 7/69 لابن الأثير ]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه (حُجبت النار بالشهوات وحُجبت الجنة بالمكاره ) [ متفق عليه البخاري 11/274 ومسلم 282] وفي رواية مسلم من حديث انس رضي الله عنه : ((حفت الجنة بالمكاره ...)) [ صحيح الجامع رقم3147]
2- وله أن يسخن الماء ولا حرج :
ذهب بعض العلماء إلى كراهية التطهر من الماء الذي سخن من حرارة الشمس واستدلوا بأحاديث ضعيفة لا تصح وذهب علماء آخرون إلى عدم كراهية ذلك سواء سخن الماء بالشمس أو بالسخانة الكهربائية أو ما نحوه .[نظر تلخيص الحبير للحافظ ابن حجر ص20-22إروا الغليل للألباني رقم 16]
فمن لم يقدر على استعمال الماء البارد فلا حرج من تسخينه للماء هذا ما أفتى به كثيراً من اهل العلم ان تسخين الماء لدفع برده ليقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور 0
3- تنشيف الأعضاء عند الوضوء
يحسن الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم [2099] ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : انه كان له خرقة ينشف بها بعد الوضوء .
فقد روى البخاري ومسلم من حديث ميمونة رضي الله عنها في غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة ، وفيه... ثم أتيته بالمنديل فرده[ البخاري رقم(259)ومسلم (317)(37)] قال البخاري (يعني لم يتمسح) نقله ابن حجر في فتح الباري [372] وقال الحافظ ابن حجر أيضاً في الفتح [1/263] واستدل بهذا على كراهية التنشيف بعد الغسل ولا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليها الاحتمال فيجوز ان يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهية التنشيف بل الأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه مستعجلا أو غير ذلك . [انظر بقية الأقوال التي تم تقلها من أحكام الشتاء في السنة المطهرة ص18-20 علي حسن عبدالحميد الحلبي ]
3- وإذا خاف على نفسه حصول مرض من البرد الشديد له ان يتيمم:
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله [ الشرح الممتع 1/318/319] فإذا تضرر بدنه في استعمال الماء صار مريضاً يدخل في عموم قوله تعالى ( وان كنتم مرضى او على سفر ) [ المائدة 6] كما لو كان في أعضاء وضوئه قروح او في بدنه كله عند الغسل قروح وخاف ضرر بدنه فله ان يتيمم وكذا لو خاف البرد فانه يسخن الماء فان لم يجد ما يسخن به تيمم لأته خشي على بدنه من الضرر وقد قال تعالى ( ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيماً) [النساء 29] واستدل عمرو بن العاص رضي الله عنه بهذه الآية على جواز التيمم عند البرد إذا كان عليه غسل [ أخرجه البخاري معلقاً في كتاب التيمم / باب إذا خاف الجنب على نفسه المرض 1/130]
وهل يعيد الصلاة الصحيح من الأقوال في هذه المسالة انه لا يعيد الصلاة .
4- المسح على الخفين والجوربين :
وإذا احتاج المسلم لتسخين قدميه من شدة البرد أو نحوه في سفر أو حضر له ان يلبس خفاف جلدية او جوارب صوفية أو قطنية فقد تواترت أحاديث المسح وقد اشتهر جواز المسح على الخفين عند علماء الشريعة حتى عد شعارا لأهل السنة والجماعة وعد إنكاره شعارا لأهل البدع [ ابن دقيق العيد (الأحكام ) 1/13 من أحكام الشتاء في السنة المطهرة ص22]
وان يراعى في المسح الوقت فالمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاث أيام بلياليها .
والمسح يكون أعلى الخف أو الجوارب ولا يشترط له كيفية معينة ولا يخلع من انتقاض وضؤ (حدث اصغر ) أو نوم أو بول أو غائط إلا في جنابة وقد دل حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا في سفر ان لا ننزع جفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ) ] أخرجه النسائي رقم ( 127 ) والترمذي ( 96 ) وابن خزيمة ( 131 ) وأنظر المشكاة للألباني رقم ( 510 ) [
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في ] مجموع فتاوي ابن عثيمين 15817[
عما ذهب إليه بعض العلماء من جواز المسح على كل ما لبس على ( الرجل ) ؟ فأفتى رحمه الله بالجواز وعدّّة القول الصحيح ، ذلك لأن النصوص الواردة في المسح على الخفين مطلقة غير مقيدة بشرط ، وما ورد في الشارع مطلقاً فإنه لا يجوز إلحاق شروط به ... )
ولا بد أن يلبس الخف أو الجوارب على طهارة مع ضرورة التقيد بالتوقيت للمقيم والمسافر ولا عبرة في عدد الصلوات . وقال النووي إن لبس محدثاً لم يجزئه المسح إجماعاً . والحكم يشمل الخفاف والجوارب المخرقة على القول الصحيح للرجال والنساء تيسيراً على المسلمين . ولا ينزَّل حكم الجوارب على لبس قفازات الأيدي الصوفية أو البلاستيكية أو غيرها للأيدي والله أعلم .
ثانياً : الصلاة
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً فإذن لها في نفسين ، نفس في الشتاء ، ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون من الحر من سمومها وأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها ) والزمهرير : شدة البرد .
1) أشد الأوقات في الصلاة :
ان أشد ما تكون المشقة في أدى صلاة ( العصرين ) خاصة في أيام الشتاء لهذا أوصى النبي صلى اله عليه وسلم بأدائها في جماعة لما في أدائها من عظيم الأجر فقال صلى الله عليه وسلم : ( حافظ على العصرين صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ) ] متفق عليه وأخرجه أبو داود والحكم أنظر صحيح الجامع رقم 3122 [
وبشر النبي صلى الله عليه وسلم المشاءين في الظلم يوم القيامة كما في ] أبي داود37911[ وغيره بالنور التام يوم القيامة .
فإن استطعت أن تخرج في هذه الأوقات مع شدة البرد إلى المسجد فأفعل فإن الأجر على قدر المشقة .
2) ويمكن الجمع بين الصلاتين :
أخرج مسلم في صحيحه ]رقم 750 رقم 49 [ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال " ( صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر ) وفي هذا ثبوت مشروعية الجمع بين الصلاتين والمسألة فيها خلاف وأقوال يمكن أن ترجع لشرح صحيح مسلم ] 219/5 [ وفتح الباري ( 2412 ) ومجموع الفتاوى لأبن تيميه ( 24/77 ) ونقل الشيخ على حسن عبدالحميد أقوال هذه المسألة في كتابه ( أحكام الشتاء في السنة المطهرة من صفحة 45 – 94 .
3) الصلاة في النعال :
والصلاة في النعال من السنة ومن التيسير الذي رخص فيه الشرع :
قال : سعيد بن يزيد الأزدي سألت أنسا بن مالك رضي الله عنه : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ؟
قال : نعم . ] أخرجه البخاري [
وجاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت رسول الله صلى الله وسلم يُصلي حافياً ومتنعلاً . ] المشكاة ( رقم 769 ) [
4) تغطية الفم والسدل واشتمال الصّما :
التلثم الذي يفعله اتقاء البرد أو غيره جاء في المشكاة للألباني [ رقم (764)] ان النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن السدل في الصلاة وان يغطي الرجل فاه ) [ رواه أبو داود رقم (643) والترمذي (478) ]
والسدل اختلف أهل العلم في معناه : وقال ابن الأثير في النهاية [7413] : هو ان يلتف بثوبه ويدخل يديه من الداخل ويركع ويسجد وهو كذلك . وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب )
أما اشتمال الصماء فقد ثبت في البخاري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن اشتمال الصّما) [ البخاري رقم 367]
ويرى بعض أهل العلم ان السدل هو نفسه اشتمال الصّما ويرى آخرون خلاف ذلك ويخصون السدل / بأنه إسبال الرجل ثوبه من غير ان يضم جانبيه بين يديه فان ضمه فليس بسدل [ نقله ابن الأثير في غريب الحديث 3/482] عن القاسم بن سلام ]
أما اشتمال الصّما الثوب ليس فيه أكمام ولا منافذ كالبرنس يلبس على الجسد كله ) [ انظر نيل الاوطار 2/85 للشوكاني ]
والنهي سوا كان في الشتاء أو غيره [ وانظر الدراري المضيئة 192]
5) صلاة الليل في الشتاء :
ولان ليل الشتاء طويل فقد نقل عن السلف رحمهم الله أنهم يستبشرون بالشتاء لطول ليله للقيام والمناجاة في الثلث الأخير من الليل . ويحيون هذا الليل الطويل في عبادة ربهم ] أنظر حلية الأولياء لأبي نعيم وغيرها من كتب التراجم[
بقلم الفقير إلى الله صاحب الموضوع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق